أخبار المغرب

جلالة الملك محمد السادس يدعو إلى “إضفاء الطابع الأخلاقي” على الحياة السياسية .

بوحافة العرابي * – ( مقالات من الصحافة العالمية )

في رسالته السامية إلى البرلمان المغربي في 17 يناير ، سلط صاحب العزة و المهابة الملك محمد السادس الضوء على “الحاجة إلى إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة البرلمانية” في بلادنا ودعا إلى “اعتماد مدونة أخلاقية ملزمة قانونا لغرفتي “المؤسسة التشريعية” .

الأستاذ بوحافة العرابي - رئيس التحرير
الأستاذ بوحافة العرابي
رئيس هيئة التحرير و النشر

ويأتي هذا الإعلان الملكي السامي في الوقت الذي تضرب فيه موجة من القضايا القانونية عديدا من المسؤولين المنتخبين . ومنذ الانتخابات التشريعية لعام 2021، تمت محاكمة حوالي عشرين برلمانيًا من قبل المحاكم الوطنية ، حيث زج بستة منهم خلف القضبان، وتم فصل اثنين من قبل المحكمة الدستورية – ناهيك عن العشرات من النواب ورؤساء البلديات الذين أعفتهم وزارة الداخلية من مهامهم بموجب مشروع . ويبدو أن القائمة ليست مغلقة . حيث يعتبر الحجز، بأمر من قاضي التحقيق، على ممتلكات وأصول رئيس المجلس البلدي للقصر الكبير، أحدث عقوبة اتخذتها المحاكم ضد شخصية سياسية .

وتم الكشف في شهر ديسمبر الماضي عن قضية التورط في تهريب المخدرات الدولي التي وجهت لعبد النبي البعيوي ، رئيس جهة الشرق ، والنائب سعيد الناصري، رئيس الوداد البيضاوي ، والرئيس السابق لمجلس عمالة الدار البيضاء ، وهو ما يمثل ذروة التورط في التهريب الدولي للمخدرات. هذا التسلسل القضائي في الاتهامات الموجهة ضد هذين المسؤولين المنتخبين تغذي دراما إعلامية التي تنشطها الأخبار شبه اليومية التي تكشفها تقارير الشرطة.

إذا تمت مناقشة الزيادة في الحالات – فهل هناك أكثر من ذي قبل؟ – إن تزامن الكشف عنهم أدى إلى إحياء تعبير مثقل بالرموز : فعبارة “حملة التطهير” السياسي ، أصبحت على شفاه الجميع . وتكرر هذه الصيغة «العمليات» التي قام بها الملك الجليل الحسن الثاني طيب الله تراه ، في عهده لوضع حد قاطع للفساد . لقد جرب الملك الراحل عام 1971، بعد الانقلاب الفاشل في الصخيرات ، بقناعة حكيمة و برغماتية مفادها بأن المملكة كانت تدفع ثمن الاقتصاد غير الرسمي. وتم القبض على عدة مئات من الأشخاص ــ المسؤولين المنتخبين، ولكن بشكل خاص كبار الموظفين الحكوميين ورؤساء العمل ــ قبل أن يطلق سراحهم بعفو ملكي فيما بعد .

إدارة تضارب المصالح

وإذا كان الملك الوالِد رحمه الله قد سعى إلى إضفاء الطابع الأخلاقي على الرأسمالية والاقتصاد من خلال السجن كمثال – الأمر الذي أثار الرعب في دوائر الأعمال – فيبدو أن الملك محمد السادس يريد إضفاء الطابع الأخلاقي على السياسة و بهدوء و حكمة ، وكأن الكرة الآن في معسكر البرلمان. ومع ذلك، لم يتم تصفية أي شيء حتى الآن فيما يتعلق بمضمون الأخلاقيات الحزبية و السياسية ، خاصة وأن مجلس النواب، مثل مجلس المستشارين، يخضع بالفعل للوائح الداخلية.

و من جانبه يعتبر النائب عبد المجيد الفاسي الفهري، عضو حزب الاستقلال، أحد الأحزاب الثلاثة في الحكومة ، و البرلماني المنتخب عن مدينة فاس، – يعتبر – بالفعل أن مراقبة تضارب المصالح هي إحدى القضايا الرئيسية في النص : “يجب أن نضع حدا للوضع الذي يدافع فيه المسؤولون المنتخبون في اللجنة عن إجراءات تدخل – في المعنى – مع مصالحهم” ، مضيفا : “يتعلق محتوى الميثاق بالمبادئ العامة للأخلاق والشفافية والاستقلال. والتحدي هو أن نجهز أنفسنا لتطبيق هذه المبادئ حرفيا”.

ولكن بعد ذلك، ما الذي يجب وضعه في هذا الميثاق الرمزي ؟ وعلى أي جدول زمني يمكن أن نتحدث ؟ رسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس لن تخضع للتأويلات . حيث وجب على الطبقة السياسية أن تفسر إعلان الملك على أنه إشارة إلى أن التغيير لا بد أن يأتي، وبسرعة . ومن المقرر عقد اجتماع عمل أول يوم الاثنين 29 يناير بين رؤساء المجموعة في مجلس النواب.

ويقول إدريس السنتيسي، زعيم نواب الحركة الشعبية، إن هذه هي “الأولوية الكبرى للبرلمان”. فيما يوصي نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي يريد أن يتم وضع القانون “قبل وقت طويل” من الانتخابات التشريعية لعام 2026 : “نحن بحاجة إلى التوصل إلى نص بسرعة” .

إن مناخ عدم الثقة الذي يحيط بالمسؤولين المنتخبين ، والذي تغذيه الأخبار القضائية التي تأتي بين الفينة و الأخرى ، وينعكس صداها في الصحافة الوطنية ، التي تدين افتتاحياتها اللاذعة “الإفلاس الأخلاقي لهؤلاء السياسيين” أصبح يمارس بشكل أو بأخر ضغطا قويا على النخبة السياسية .كما صار هناك نوع من الحذر الجاد من خلط “الخروف السيئ مع بقية القطيع” . ونذكر أنه منذ عام 2011، لم تعد الحصانة البرلمانية سارية في حالة الإجراءات القانونية ، مع القول بأن “أغلبية النواب صادقون ويقومون بالمهمة” كما جاء على لسان النائب عبد المجيد الفاسي الفهري .

لسوء الحظ، يتم تقويض هذه التصريحات من خلال التصنيف العالمي. في عام 2022، وضع مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذي أنشأته منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية المغرب في المرتبة 38 من أصل 100دولة ، بانخفاض خمس نقاط منذ عام 2018 . ومن المؤكد أن المسؤولين المنتخبين لا يتحملون العبء الكامل للمراوغة – فقد تمت محاكمة أقل من 1٪ من أصل النواب أو بمعنى أخر تمت محاكمة المدانين ــ ولكن الشعور بوجود النخبة السياسية الفاسدة منتشر في كل مكان في العالم و ليس بالضرورة بالمغرب . ولاحظت  الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في تقريرها السنوي الأخير، أن “قطاع الصحة يظل الأكثر القطاعات تضررا من الفساد ببلادنا ، تليه الأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان”، بحسب مواطنين مغاربة.

المجتمع المدني يعتبر الترسانة التشريعية غير كافية .

ومع ذلك، أظهرت السلطة التنفيذية في السنوات الأخيرة نشاطًا معينًا من حيث الشفافية. لكن الترسانة التشريعية تعتبر غير كافية في نظر جزء من المجتمع المدني ، خاصة في الجزء المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات ، الذي يعكس القدرة المحدودة للغاية . أما بالنسبة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تم إطلاقها سنة 2016، فإن “اللجنة المكلفة بمراقبتها وتقييمها لم تجتمع إلا مرتين خلال سبع سنوات”، موضحا بأسف شديد السيد أحمد البرنوصي، الكاتب العام المساعد لمنظمة ترانسبرانسي المغرب.

ويرى مراقبون أن التداخل بين الأعمال والسياسة يمثل الجزء المغمور من فيض الفساد . “إنه مرتبط بالطريقة التي يتم بها تنظيم العملية الانتخابية في المغرب”، كما يوضح ديفيد غوري الدكتور في الجغرافيا المجالية ، ومؤلف العديد من التحليلات حول المجال السياسي المغربي. موضحا “أما الأحزاب المتشددة، التي يقوم أعضاؤها بحملات انتخابية على أساس طوعي، فقد أصبحت أقل عددا يوما بعد يوم. وبالتالي، فإن غالبية الأحزاب تفضل الاعتماد على الوجهاء الذين يتمتعون بميزة ثلاثية : أنهم معروفون محلياً، ولديهم اتصالات، وفوق كل شيء، لديهم موارد مالية ، لتمويل الحملة الانتخابية التي تكون غالبا مكلفة للغاية ، كما أنه لا يتردد بعض الوجهاء في اللجوء إلى شراء الأصوات الانتخابية ” …

وبلغت هذه التحالفات بين الأحزاب والوجهاء ذروتها في المناطق القروية في عام 2021، بسبب جائحة كوفيد-19 التي أضعفت السكان ، والتنظيم المتزامن للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية . و يقول نبيل بن عبد الله، الذي يدعو إلى أن تكون مدونة الأخلاقيات مصحوبة بإصلاحات كبرى، وفي مقدمتها تعزيز الرقابة على النفقات الانتخابية : “لقد غرق المواطنون في الأموال” بسبب رشاوي الانتخابات . وترى شخصيات سياسية أخرى في النص الذي يريده الملك “توجهاً” لتنظيم اختيار المرشحين للانتخابات بشكل أفضل، خاصة عندما يتعلق الأمر برجال الأعمال.

ويبرز التحدي الرئيسي الذي يواجه الطبقة السياسية: إعادة المغاربة من المدن الكبرى إلى صناديق الاقتراع. لأنه إذا كانت القضايا القانونية صادمة، فإنها لا تفسر وحدها السخط المتزايد لدى الناخبين في المدن الرئيسية، “حيث تكون الروابط بين الأحزاب والأعيان هي الأقل تفاقما” ، كما يشير الدكتور ديفيد غوري. وبحسب  مركز الأبحاث طفرة ، فقد تراجع عدد الأصوات الصحيحة في الدار البيضاء وفاس والرباط “بنسبة 30% تقريبا” بين الانتخابات التشريعية 2016 و2021.

بالنسبة للبرلمانيين المغاربة، فإن مدونة الأخلاقيات المستقبلية تبدو قبل كل شيء بمثابة تحذير صريح . وفي مواجهة معدل البطالة المرتفع تاريخياً وأزمة المدارس العامة ، يريد المواطنون في المناطق الحضرية خصوصا إجابات عاجلة و ميدانية ، لتفادي خطر العودة مرة أخرى، بعد ثلاث سنوات : “الامتناع عن التصويت” .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة مواد و مقالات الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....