الاحتفال بذكرى المولد النبوي …
الجريدة العربية – الأستاذ زياد إدريس
المولد النبوي حدث كبير يرتبط برسول الله الذي هو مصدر هذه المشاعر التي تجتاحنا وتثير قلوبنا، واتخاذ هذه المناسبة فرصة للتأكيد على وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع طريقته، وتحكيم شريعته، والتذكير بأخلاقه وشمائله، واتخاذه أسوة وقدوة في حياتنا، فذكرى المولد النبوي الشريف مثل باقي المناسبات كالهجرة والإسراء والمعراج وغزوة بدر وغيرها، صحيح أن يوم مولده عليه الصلاة والسلام مختلف فيه ولكن إذا أجمع الناس على تاريخ معين يتذاكرون فيه سيرته وشمائله، ويجددون البيعة له فهو من الأمور التي لا ينبغي أن نختلف فيها، ولا يجوز في كل مناسبة أن نشعل المعارك لأجلها …
ويعتبر هذا الاحتفال بذكرى المولد النبوي من الثقافات الوافدة علينا من الديانة النصرانية خاصة ولاسيما في طريقتها الطقسية التي اكتسبت بعد ذلك خصائصها الإسلامية التي ميزتها عن الثقافة الأخرى، وسبب هذا الاحتفال ليس التقليد أو التبعية وإنما المنافسة في الحب، فقد كان المسلمون في مناطق الاحتكاك والمجاورة مع النصارى المسيحيين يرون شدة احتفاء النصارى بالمسيح عليه السلام، ويستمعون إلى ملاحظات بعضهم بأن المسلمين لا يحبون نبيهم كما يفعل المسيحيون بالمسيح، وكان هذا مما يجرح قلوبهم، ورأوا أن الاحتفال بطريقتهم الخاصة هو تعظيم للنبي ورفع لمكانته وتأكيد لوجوب احترامه وأن مكانته تحظى بحضور كبير بدليل اجتماع الناس حولها في حفل جامع بالأذكار وتلاوة السيرة والإنشاد والمديح فهذا مما يُفرح القلب المؤمن، لكن عدم الاحتفال وعدم ورود الأمر به أو فعله ليس دليلاً على منعه أو عدم شرعيته، فهذا من المسكوت عنه ما دام لم يُحسَب في سياق التبعية الثقافية للآخر والانجراف وراءه…
قضية الاحتفال بالمولد تفرض نفسها وبقوة في واقع المسلمين في الغرب، فأطفال المسلمين محرم عليهم المشاركة في احتفالات أعياد الميلاد هناك مِن مبدأ عقدي وعدم مشاركة النصارى في أعيادهم، وهم يَرَوْن أقرانهم يحتفلون ويتبادلون الهدايا وتدخل الفرحة على قلوبهم، فتأتي ذكرى المولد النبوي ومن باب الاعتزاز بنبينا وتقديراً لشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام رأى بعض العلماء المحدثين وخاصة ممن استوعب فقه الواقع أن هناك جواز الاحتفال بذكرى المولد تحقيقاً لما سبق ذكره من مقاصد، فتحتدم المعارك حول المولد النبوي، ويوصف الاحتفال بالبدعة، لكن الصمت يعم عند هؤلاء أمام مهرجانات وحفلات الرقص والخلاعة والمجون والعربدة والميوعة، يستغلون الناس في أمور لا علاقة لها بمصلحتهم ويتركون الأمور العظام، فلنعلم أننا أمام خلل فكري وفقهي وسلوكي وَضَعَنا في الوسط بين مَن منع الاحتفال بالمولد النبوي وأفتى ببدعية الاحتفال وإثم المحتفلين، وبين من يرى بفضيلة الاحتفال بالمولد وأجر من فرح به، فالأول أراد أن يقول لكم إن محبة رسول الله باتباعه فشدّد، والثاني أراد أن يقول لكم، إن محبته بالفرح بكل ما يتصل به مما يفرح به الناس عادة، وعلى الأول أن يراعي جانب الروح في المحبة، وأن يتقي الله في الحكم على الناس والكشف عن قلوبهم، وعلى الثاني ألا يغالي في إظهار أشكال المحبة في صور يخرج بها الناس إلى المعصية، وعلى المرء أن يستغل المناسبة في تعظيم شعائر الله وربط الناس بصاحب السيرة العظيم…
فالذين يرون أن هذه المناسبة بدعة مقدّرون، واجب احترام وجهة نظرهم، لكن ليس من حقهم احتكار الصواب، وتخطئة المخالفين ووصف المجيزين بالابتداع في الدين، ليس هناك في الدنيا مسلم لا يفرح لقدوم النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان يوجد أحد فليراجع قلبه، وليتفقد إيمانه، فاللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، اللهم ارزقنا محبته، وأنلنا شفاعته، واحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، واجعلنا من جيرانه ورفقائه في الجنة يا أرحم الراحمين.