في ذكرى اليوم العالمي للمدرسين : أهل الخير والعطاء ….
بقلم الأستاذ إدريس زياد*
لمن عاش وبدأ مشواره التعليمي في البوادي والمداشر والجبال سيعرف عن قرب وبصورة أكثر وضوحاً كيف يشقى المعلم ويبذل حياته للتعليم ويضيق صدره، ليكون شعلة مضيئة طوال حياته حتى يذوب ويفنى، ويبقى مجرد ذكرى لدى تلاميذه…
ليست مهنة المعلم من المهن المستحدثة لكن كثيراً من العلماء تحدثوا عن تابعيّ كبير يقال له نُباتة الوالبي، قالوا إنه كان معلماً في زمان عمر بن الخطاب، ووصفه البعض بالمؤدِّب، وهذا يعني أن له تلاميذ يعلمهم ويؤدبهم، واستقر بالكوفة ونسب إليها، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد أرسل إلى الشام ثلاثة ممن جمعوا القرآن انتخبهم من خمسة قراء، وكان ذلك بمناشدة من يزيد بن أبي سفيان قائد جنود الشام الفاتحين ليعلّموا الناس هناك، والثلاثة هم: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء، فخرجوا إلى حمص ودمشق وفلسطين وتنقلوا في الحواضر المفتوحة، إلى أن ماتوا في الشام، ومن المعلمين الكبار أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الذي ولد في زمان الفاروق وأخذ عن عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً، درّس في جامع الكوفة أكثر من أربعين سنة، وهو المقرئ الضرير …
فمن كان له معلم فليجزل له ولو بكلمة طيبة، فهو المساهم بشكل كبير في إكمال أخلاق الشباب، وفي نشر الوعي والثقافة في المجتمع، ففي بعض الدول الأوربية مكانة المعلم توازي مكانة الطبيب وراتبه كذلك، وعكس ذلك في بعض دول العرب، يسجنون ويهانون على حساب المطالبة بحقوقهم فقط، ولا حول ولا قوة إلا بالله…
في مذكرات المختار ولد داداه أول رئيس لموريتانيا رحمه الله تعالى، قال : “كان سروري كبيراً وتأثري بالغاً، حين اتصلت بعد تولّي السلطة بجميع معلميّ الوطنيين والأجانب، في مدرسة بوتلميت، الذين كانوا جميعاً وقتها على قيد الحياة، ما عدا محمد، وقد عاملتهم جميعاً باحترام وتقدير خلال لقاءاتي المتكررة معهم، تلك اللقاءات التي كانت تتم في غالب الأحيان بمبادرة مني، وكنت أرد على تعجبهم من سلوكي معهم رغم وظائفي آنذاك بأنني لم أقم إلا بواجبي، عملاً بالقول المأثور : من علمك حرفاً فهو مولاك” .
فالمعلم يحمل رأسه ويمشي، ورأسه كالجنة، جنة مملوءة من كل الثمرات، تؤتي أكلها كل حين، فيكون كالشجرة يستفاء بظلها ويجبى ثمرها، فهذا الرأس صحبته غنيمة وزيادة شرف وتزكية، نهر من العطاء يروينا، معدن أصيل، بحر يمخر في قلوبنا بكل حب، بحر العطاء والحنان، والعطاء كنز لا يعوض، وكتاب لا تنتهي صفحاته…
فألف سلام وألف تحية إلى من سطر بعلمه وأفاض به ولم يبخل يوماً علينا، سلام على كل الرؤوس المملوءة بثمار العلم والمعرفة والتجربة التي يستفاء بظلها ويجبى ثمرها ، بارك الله في جهدكم، وتقبل منكم، وأجزل مثوبتكم، وجعلكم من أهل الجنة.