في الرابع و العشرين من شهر فبراير من السنة الجارية , غزت الجيوش الروسية المدججة بأحدث و أثقل المعدات الحربية , الحدود السيادية لدولة أوكرانيا ( الأوروبية ) . و من تم غزت تقريبا أزيد من ثلثي البلاد , تحث صدمة ” عصابة ” الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية . حيث بدا من الوهلة الأولى و كأن دول الإتحاد السبعة و العشرين لا تستوعب ما يحدث , خاصة و أن الحرب التي اندلعت قد تسبب أزمة اقتصادية و سياسية و اجتماعية , هم في غنى عنها , و لا يحتملون تبعاتها السلبية بالمطلق .
لما اعترف ” فلاديمير بوتين ” من جانب واحد بالجمهوريتين الشعبيتين , ” لوغانسك ” و ” دونيتسك ” الكائنتين في شرق أوكرانيا , على الحدود المتاخمة لروسيا . كان هذا الرجل قد نصب نفسه ( قصريا و بالإجبار ) , إمبراطورا لدولة تسعى للمجد و الريادة من وراء شن الحرب و إدخال الرعب على الغرب .
ففي ال 30 من شهر سبتمبر سنة 2015 شن سلاح الجو الروسي أولى هجماته على المدنيين ” السوريين ” الأبرياء , بعدما طلب السفاح بشار الأسد الدعم من موسكو لمواجهة المعارضة السورية المسلحة . فقتل المدنيون بأعداد عجزت الصحافة الدولية و المحلية عن إحصائها . و شرد الملايين و طردوا من مدنهم المتحضرة و الحافلة بالتاريخ و الثقافة الإنسانية . قتل الأطفال و النساء و الحيوان , و أجثثت الأرض بما زخرت , و دمر تاريخ الآف السنين على يد ” حاكم ” مبارك من دول الغرب , تساعده وحشية الإرهاب الروسي . فتحولت سوريا أم الحضارة البشرية إلى خراب , صارت بؤرة حرب و أي حرب . الشام صنفت في الأونة الأخيرة مع أفغانستان كأكثر بقاع الأرض خطورة .
قبلها أجثت العراق عن بكرة أبيه من طرف حلف الناتو و الدول الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية و من والاهم ” بظلم ” . ليصبح شعب بلد الرافدين من أفقر شعوب العالم بيد أن دولته هي واحدة من أغنى بقاع الأرض . قتل الغربيون شعب العراق , و أعدموا رئيسه الذي أحبه الشعب , في يوم عيد الأضحى المقدس . و شردوا أهل البلد , و يتموا أبناءه , و استغلوا خيراته بعدما احتلوه من كل صوب و حدب . و مكنوا الأعداء من الشيعة من احتلال ما تبقى من وطن أنهكته حرب قادتها أزيد من 70 دولة بدعوى تحرير البلاد من الإرهاب و نشر الديموقراطية .
في ليبيا كان الغزو وحشيا أتى على الأخضر و اليابس . بلد ثري بالمطلق , و شعب مسالم يعيش بحبوحة الحياة , ورئيس همه الأول إشباع رغبات وطنه و توفير ما لذ و طاب . تأبط الرئيس الفرنسي السابق ” نيكولا ساركوزي ” شره ليعلن الحرب على ولي نعمته . فقرر قتل الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي بإصار و عناد . رغم عدم موافقة شخصين اثنين فقط ” السيد سيلفيو بيرلوسكوني ” رئيس الوزراء الإيطالي السابق و الصديق الحميم للعقيد الليبي . و أيده رئيس وزراء اليونان ” جورج باباندريوس ” . الرجلان الوحيدان اللذان رفضا بشكل مطلق أمر ” التصفية الجسدية ” لحاكم ليبيا .
قتل الناتو و الفرنسيون ” العقيد معمر القذافي ” و دمروا الوطن و نهبوا الخيرات . ليسقط درع الحماية الأول ضد الهجرة غير النظامية . فعانت إيطاليا ( بسبب ما يقع من حرب ضروس في ليبيا ) من موجات الهجرة المتدفقة بالملايين , فلم تجد حلا لهاته المعضلة التي ورطها فيها الإتحاد الأوروبي و فرنسا .
فرنسا الحمل الغربي الوديع الذي لا يدع بلدا إلا و عتى في زرعه و أرضه . دمرت و ما زالت تفعل ذلك في نصف القارة الإفريقية . بشن الحرب ضد الإرهاب ( كما تزعم ) , و بإجبار 14 دولة من القارة السمراء على استعمال عملة ” السيفا ” الموحدة . حيت يعود لفرنسا كعمولة أزيد من 50 % من دخل الدول الإفريقية و بالإجبار و تحت طائلة التهديد .
إذا ما قارنا ما تفعله إيطاليا و فرنسا في القارة السمراء , فلن نجد مجالا للمقارنة . إيطاليا و ” كاريتاس ” Caritas هم الراعي الرسمي لفعل الخير بالقارة السمراء . فالشعب الإيطالي الذي تعود على فعل الخير و الذي يعرف ” معنى الحرب ” يسعى عبر المنظمات الإيطالية الدولية و على رأسها ” كاريتاس Caritas ” لنشر المساعدات الطبية و الإنسانية و التعليم في الدول النامية و بالخصوص بلدان إفريقي السمراء . فتجد أثر Caritas في كل مكان . لكن الأمر مختلف حينما تتدخل الحكومة الفرنسية , التي لا تشبه بأية حال الشعب الفرنسي المثقف و المناهض لسياسة من يحكم بلده .
التدخلات السافرة للناتو و للغرب في تقرير مصير الدول لا تعد و لا تحصى . نضيف إليها ” نسمة ” بعض الدول العربية التي نهجت نفس السياسة و أعلنت الحرب ” بالوكالة ” , و خير دليل ما يقع الأن في دولة اليمن من تناحر قومي تقوده دول أهمها العربية السعودية و الإمارات و إيران بمباركة الغرب .
نجرد كل هذا لنطرح بعض الأسئلة على من يهمهم الأمر في دول الإتحاد الأوروبي :
- لماذا لم تنتفض دول الغرب و تتأثر لما يحدث في الدول العربية و الإفريقية كما فعلت و هي تتضامن مع أوكرانيا بدون شرط او قيد ؟
- أليس ما يقع في الدول الأخرى أشد و أخطر مما يقع حاليا في أوكرانيا , و أن حياة الناس و الحيوان في خطر ؟
- أليست الإنسانية على حد سواء لها الحق في الحماية , من دون تمييز في العرق أو اللون أو الدين أو البلد الأصل ؟
- أليست شعوب إفريقيا الفارة من الحرب و المجاعة , و شعوب كل من سوريا و أفغانستان هي على قدم المساوة مع شعب أوكرانيا ” الأبيض ” الذي نقف كلنا معه ضد ” الإرهاب الروسي ” و ضد ” المجرم فلاديمير بوتين ” , حسب ما تقول لوائح الجمعية العامة و جميع بنود المعاهدات الدولية ؟
إن كان الأمر كذلك يا سادة أوروبا الكرام , فلماذا كل هذا الحيف و التمييز خاصة من دولتي ” بولندا ” و ” هنغاريا ” تجاه قضية الحرب الأوكرانية و الحرب في دول أخرى على غرار سوريا و أفغانستان و العراق و اليمن و إفريقيا الوسطى و مالي و ليبيا ؟ و لماذا بدأت صحافة المحسوبين على المقارنة بين نوعية اللاجئين البيض و غير البيض ؟ اليس من العيب و نحن في القرن 22 للبشرية , لا زلنا نتحدث بعجرفة و عنصرية بين الأجناس البشرية ؟
إذا كنتم أنتم أساس الديموقراطية و عدم التمييز , فأروني ما أنتم فاعلون ؟