أعمدة الرأي

الجزائر من حلم الفوز بالكأس إلى حلم تسجيل هدف يحفظ ماء الوجه .

انتهى الدور الأول لكأس أمم إفريقيا 2021 لكرة القدم المقامة بالملاعب الكاميرونية . حيث أسفر عن خروج 8 منتخبات من المنافسة , و بقاء 16 منتخبا صعدوا إلى دور خروج المغلوب . وعرفت الدورة الحالية مفاجأة من عيار ثقيل , خروج منتخب الجزائر حامل لقب الدورة الماضية من المنافسة ” بخفي حنين ” بعدما غادر دور المجموعات بنقطة يتيمة من تعادل بشق الأنفس أمام سيراليون و هزمتين أمام غينيا الاستوائية و الكوت ديفوار .

الجزائر : ما بين أحلام اليقظة و كوابيس الواقع .

الأستاذ بوحافة العرابي - رئيس التحرير
الأستاذ بوحافة العرابي
رئيس التحرير

منذ أشهر عديدة و الصحافة في الجزائر “ تخمر و تسمن” على منصاتها الإعلامية و الإخبارية , و مواقع التواصل الاجتماعي فكرة المنتخب الخارق . فكرة منتخب لا يرحم و لا يدر , منتخب قادر على المنافسة و الفوز بكأس العالم . صحيح أن منتخب ” ثعالب الصحراء ” فاز بكأس أمم إفريقيا السابقة التي نظمت دورتها بمصر , في دورة مثالية بكل المقاييس . دورة لعبت على ملاعب عالمية , و بقيمة تقنية جيدة أظهرتها الفرق المتنافسة . و صحيح أن هذا المنتخب البارع فاز بكأس العرب 2021 التي أقيمت في دوحة الخير بدولة قطر , لكنه لا يرقى لنعته بالفريق القادر على المنافسة و الفوز بكأس العالم .

لقد لعبت الصحافة الجزائرية المتخصصة و غير المتخصصة دورا كبيرا في ” نفخ ” أشبال المدرب المتميز ” جمال بلماضي ” . تطبيل أوصل الكتيبة الجزائرية لدرجة التعالي و التبجح , حتى صار من ينعتها بغير الكمال يدرج في خانة إنسان ” حاقد ” أو ” حاسد ” . أصبح منتخب الكرة الممثل لدولة الجزائر الشقيقة ” مرآة سحرية ” اتخذها البعض لعكس صورة التطور و التقدم للبلد , أو معيارا للرفاهية و الرخاء , و السلم الاجتماعي . جهات وازنة جعلت من منتخب الكرة شمعدانا تعلق عليه تمائم الحكم و الولاء , سار المسؤول الكبير و من تحت إمرته ” يغرد ” أو ” يعلق ” أو ينشر ” أملا في أن تبارك له منشوراته أو تغريداته في شفاعة الشعب الجزائري بغية التغاضي عن أزمة البلاد الخانقة , و نقص الموارد الأساسية للمعيشة كالزيت و البطاطا و الحليب .

فقد أصبح المنتخب القومي هو العسكر و الأمن الوطني , هو السيادة و الوحدة الوطنية و رمز الأمة الخالد . صار الرمز الثاني من بعد الشهداء ( رحمكم الله جميعا يا شهداء الجزائر ) . رفعت الصحافة الوطنية منتخب بلادها ليصبح فوق الصناعة و الغاز و كل الأنشطة , فصار المرفق الثاني في الدولة من بعد ” الجيش ” . فويل كل الويل لمن يقول أن منتخب الجزائر منتخب ضعيف و لن يفوز بكأس أمم إفريقيا ” كاميرون 2021 ” . اللعنة على من يقول بأن هذا المنتخب لن يفوز بكأس العالم .

من حلم الفوز بكأس أمم إفريقيا و كأس العالم إلى ” أمنية ” مفادها : يا رب نجيبو غير هدف قبل ما نتقصاو من كأس إفريقيا .

عندنا نحن أهل المغرب مثل شعبي عظيم مفاده “ اللي ما قنع بخبزة يشداكها ” و هناك من يقول ” اللي ما قنع بخبزة يقنع بنصها ” . هذا المثل الشعبي هو إسقاط مثالي على حال صحافة الجارة الشقيقة , تطبيل و ” تغياط ” و ” شطيح ” و دردكة ” و ” شتيف ” قبل بدء مسابقة كأس أمم إفريقيا . و النتيجة خروج من الدور الأول بحصيلة هزيلة هي الأبشع في تاريخ كرة القدم بالنسبة لحامل لقب منافسة ما . لسان حال القوم قبل بدء البطولة جعلنا نحس بأننا سنشاهد فريقا مثل ذاك الذي يلعب له ” الكابتن ماجد ” و ” الكابتن بسام ” و ” مازن ” و ” حسام ” و الأخوين شوقي ” و ” ياسين ” و ” ميسي ” و ” رونالدو ” . لكننا أدركنا في الأخير أننا أمام منتخب ” منفوخ إعلاميا ” حتى الثمالة , بالرغم من وجود لاعبين من طراز رفيع و متميز , يتمتعون بزخم تقني و فني جد عالي . فيكفي الجزائريين فخرا ذكر اسم ” رياض محرز ” أو ” بناصر ” سليماني ” بلايلي ” ماندي ” , لتشع أمامك كتيبة من النجوم يقودها واحد من أمهر المدربين العرب و الأفارقة .

النفخ الإعلامي و المبالغة غير المهنية , جعلت الفريق القومي للجارة الشقيقة , ينسى بأنه فاز بلقبين لا يمثلان قوة على المستوى العالمي , و إنما قيمة كروية تضاف إلى المنافسات الإقليمية . فالفوز بكأس العرب ( من الناحية الفنية ) لا يمثل قيمة ناذرة , بحيث أن المعدل التراكمي الفني و التقني للفرق المشاركة , هو اقل من المتوسط . و جودتها لا تفوق كونها مسابقة إقليمية توازي مباريات من الوزن الودي . فالمغرب مثلا شارك بالفريق الرديف و السعودية شاركت بمنتخب الشبان , مما يوضح قيمة المسابقة . و الفوز في مبارياتها لا يضاهي الفوز بمباريات كأس العالم أو أفريقيا . و بالتالي فهي مرحلة ترتيبية و استعدادية للوقوف أمام جاهزية اللاعبين , و لا تعد المشاركة فيها جزما بالكفاءة , أو إنزال أحكام قيمة على جودة المنتخبات , و إعطائها منزلة فرق طموحها الفوز بكأس العالم قولا و فعلا و أحلاما .

تقول العرب في حق من يكثر لغطه و يقل مردوده : جعجعة و لا أرى طحنا .

كثر الصياح و اللغط من كل حدب و صوب على ” ثعالب الصحراء ” , تم النفخ و الشحذ في الجماهير حتى أصبحت فكرة الفوز بالكأس الإفريقية ” لحنا ” لكل واجبات الحياة في البلد الشقيق و نشيدا وطنيا يتردد في الآفاق . سخرت كل الموارد للمنتخب القومي , و طبل له و مدح حتى ظن الجزائريون أن منتخبهم هم الأعظم على الإطلاق . و صار المواطن المقهور الذي كان يتهرب من واقعه المشلول مرتبطا بآمال ” زينتها الصحافة المحلية ” و علقتها على نتائج المنتخب الذي لا يقهر . و ما إن بدأت المنافسة حتى تفرقع ” البالون ” المنفوخ , و طأطأ ” الثعلب ” رأسه حسرة و تعاسة . ” تعويذة ” منتخب سيراليون فكت ” طلاسم منتخب الثعالب ” , و اندثر السحر و لم يتمكن الفريق من تسجيل الأهداف في مرمى الخصوم , حتى جاد عليه القدر بهدف يتيم حفظ به ماء الوجه ضد منتخب الفيلة الإيفوارية . و حفظ به كرامة منتخب توج بطلا للمسابقة قبل سنتين و نصف , لكنه بدا هزيلا ضعيفا منخور القوى في النسخة الحالية .

الغريب في الحكاية أن المعلق الشهير لمباريات المنتخب الجزائري , اتهم ” جهة ما ” بافتعالها السحر و الشعوذة مما حال دون إبراز الوجه الخارق للمنتخب القومي الخارق …

من تعادل و هزمتين إحداهما أمام منتخب غينيا الاستوائية المغمور , و بحصيلة فقيرة جدا على مستوى النقاط و الأهداف , خرج المنتخب الجزائري يطأطئ رأسه من شر الهزيمة , و عمق الجرح الذي أحدثته المشاركة الإفريقية التي تعالت كل الفعاليات الجزائرية عليها بقولهم : الجزائر أكبر من أن تشارك في كأس أمم إفريقيا , الجزائر تستحق الفوز بكأس العالم . ها هو ذا منتخبكم الذي شركتم به في كأس العرب , و فزتم بها و جعلكم تتكبرون و تستعلون به على اللعب في إفريقيا , قد حصد شر الهزائم و ” مرغ ” وجهكم في التراب . إذن فما أنتم فاعلون ؟ و من هول الفضيحة أين ستفرون ؟

التواضع فضيلة , التواضع رفعة , و قيمة جلية تجعل من الآخر مثالا يحتذى به . ربما اليوم خسرتم كأس إفريقيا , لكنكم لم تخسروا كل شيء . ما زال أمامكم الوقت حتى شهر مارس لتدارك مواقف كثيرة حتى لا تفسدوا فرحة شعبكم و العرب كافة , و أنتم تشاركون في المرحلة النهائية للتأهل لبطولة كأس العالم التي جعلتم الجزائريين ( فقط ) يزعمون بأن لدى منتخبكم القدرة للفوز بها . سوف نساندكم و نقف بجانبكم و سندعو لكم بالخير لأنكم في الأول و الأخير تبقون منتخب كرة قدم ينتصر و ينهزم و يتعادل , يفرح و يحزن . و لأن الكرة ليست سياسة تفسخ عقائد التآخي و الجوار بتبني قضية وهمية خاسرة , نجعلها الديدن و الدين , و بها نحيا و من أجلها سنموت .

لأننا نسامح و نغض الطرف على زلات الغير , سوف نفرح بكم و معكم كما فعلنا في السابق , حينما فرحنا و سعدنا و أنتم تتأهلون إلى مسابقة كأس العالم على حساب الأشقاء الأحبة من مصر ” أم الدنيا ” و أم الحضارة و الإنسانية , التي يتشرف المرء بملامسة اسمها العبق شفتيه …..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....