بقلم / لحسن كوجلي
قصة – انكسار براءة : هي صبية من إحدى قرى إقليم جبلي يدعى أزيلال وسط المغرب , ولدت من رحم امرأة منتزعة الشعور و العواطف , حاملة لقلب لا يدق و لا يهتز لعشق أحد . صبية ليتها هلكت من فورها , و كانت نسيا منسيا . ولدت و عاشت كل أنواع الشدائد و جميع مصائب الدهر , تربت على يد أم أشبعتها ضربا و أذاقتها ألوان العذاب و سموم المحن .
تحكي الصغيرة البريئة بكل شجاعة و تلقائية , “أني منذ أن تعقلت , وجدت نفسي و كأني أتربى على يد مخلوقة ولدتني من خارج رحم الأمومة , و من بطن لا بنبض بحياة إنسان, أم وكأنها ليست من أرضعتني حليبا , أم بلا إحساس و لا ضمير , ليست كباقي الأمهات , لا تلمسني إلا حين تحدثني بلغة الضرب و الرفس لأبسط الأشياء , أم بلا عنوان , بغرض العنف و القسوة , لم تلفني يوما بحنان أو عطف .
كم هو مؤلم جدا أن يعيش المرء صباه منهوك القوى , محروما من حلاوة وصاله مع أمه, منزوع الروح , هكذا عشت أنا , لم أنعم بحياة كبقية أطفال محيطي الاجتماعي , لم ألعب ولم ارتع مع أحد , ظلت حياتي جحيما إلى أن أدركت سن الخامسة عشرة ربيعا , المرحلة التي كان لزاما علي أن أبحث لنفسي فيها عن التغيير , فكان مشروعي الأول , محاولة إقناع والدتي باستدراك ما تبقى لي معها من الوقت القصير لاستبدال أسلوبها التعاملي , حتى أجد لنفسي مخرجا , وكان الأقرب لي من ذلك , أن اتعلق بإنسان من خلال زواج مبكر يوقيني شر الحياة و عذابها, و الذي عساه يعيد لي ابتسامتي من جديد .
و على أمل ذلك , سعيت لتكبير نفسي مسرعة, لأقع بين أحضان شاب يكبرني بسبع سنوات , خلت ان تعلقي به ستنقدني من شدائد الدهر , و من تراكمات غدر أمي . بعد شهر من عشرتنا الأولية , وجدت في خطيبي تكميلا لاحتراق الفؤاد , فعوض أن أجد فيه مساحة من الحرية , و أرضا للإنماء من جديد . صادفت فيه قيودا من شباك و أغلالا من حديد . كان شديد المراس , يراقبني حيثما حللت أو ارتحلت , كنت أظنها بداية عربون غيرة , أو مقدمة لأدبيات العشق الحقيقي .
خلال عطلة آخر السنة , طلب مني زوجي المستقبلي أن أزورهم في البيت , لأقضي مع أسرته بضعة أسابيع في محاولة للتكيف مع وضع جديد قادم . كنت في المراحل الأولى أنام جوار أخت له , بعدها ألح علي بأن أنام إلى جانبه و أن أتعود على تكرار الفعل , و لم يشفع لي ما قدمته له من تبرير يروم إقناعه للقيام بواجب ترتيبات الزواج . و باستغلاله لفقري و محني مع الحياة السابقة , و بشعور اعتباري إياه ملاك منزل من السماء لإنقاذي من ذل المعيشة العائلية , انهزمت , و صار له مني ما أراد , بعدما استغل حماقتي و غبائي , يوم قال لي و أنا ممددة بين أحضانه , في ركن بيت لا صوت يعلو فوق صوته , أنا أشك في عذريتك , ولا حجة لك عندي سوى أن أفتشك بنفسي , و أفحصك بفحولتي , و كان له ما ابتغى , افتض بكارتي بعد أن مزق أحشاء صبية في عمر الزهور , في لحظة لم أكن أعلم فيها بخطورة الموقف إلا بعد أن صار الدم يتدفق من باطني و يسيل على فخدي .
تموت كل الكائنات بفقدانها لأسلحة المقاومة , هكذا صرت بعد أن أخد مني عذريتي , ابن أمه الذي لم يكن يقوى حتى على إطعامي خبزا حافيا , و المفترس الذي لم يقدر عظمة شعوري نحوه و تضحيتي من أجله و وفائي له , ابن العاهرة الذي رسم على جسدي مشاهد ما كان الزبناء يكتبونه فوق ظهر أمه .
صدمة عنيفة , تلقيتها غداة إحساسي بألم الحمل و أنا في بيت و الدي , مطرودة من بيت حبيب غادر . أنا من اخترته على مقاسي و على مزاج نفسي . غاب عني كل شيء لحظتها , خانتني كل التعابير , لم أكن أدري هل أفرح كالنساء المحظوظات , أم أبكي على هوى الشقيات . كنت أفكر , هل سأسعد بمولدي , أم سيزيدني قهرا و عذابا .
بعد “ألم ” الوضع الراهن , و بعد أن تخلى عني الجميع , قمت يوما بترك ابني في زاوية البيت , و خرجت متسللة صوب واد عزمت أن ألقي بنفسي فيه , حتى أستريح من حياة أظهرت لي مبكرا عربون غدر الانسان و وحشيته . و لم يفصلني عن الموت سوى إصابتي بانهيار عصبي . أدخلني في غيبوبة لحظة قربي من قنطرة الوداع . حملني الناس إلى المستشفى , و يا ليتهم ما فعلوا , فالمستشفى لن يغير حياتي في شيء , و الدواء قد يشفي المرء من مرض ما , لكنه حتما لن يقوى على تغيير عقول الناس المتوحشة الظالمة التي تفسد حياة الأبرياء و المستضعفين على الأرض مجانا . فالحياة التي سعى البعض لإعادتي إليها , هي من جعلني أصادف نموذجا رجاليا أخر أكثر قسوة ممن عشت معها من ذي قبل , و التي على الأقل , لم تثقل أحشائي بمولود .
فالصدمات التي لا تقتل الانسان , تقويه, هكذا صرت بعد كل ما جرى , و بعد أن أحييت نفسي من جديد , حاملة لمشروع تقوية النفس و العمل على تلبية رغبات ابني , و صرت على أمل ذلك حتى تمكنت من تحقيق الهدف و بنيت لنفسي فردوسا حرمت منه لسنوات طويلة .