تعليم : التربية الدامجة بإقليم طاطا … بين العشوائية و التأجيل .
الدكتور محمد توفيق الملوكي .
تسعى وزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة من خلال برنامج التربية الدامجة، الى توفير الشروط الملائمة بين المتعلمات والمتعلمين وبالتالي إقرار مبدأ تكافؤ الفرص، وتمكين الأطفال في وضعية إعاقة من الاندماج في المؤسسات التعليمية والاستفادة من تعليم ذي جودة يلائم وضعيتهم، ويوفر لهم الاندماج في الفصول لإنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي.
ولتفعيل وإرساء التربية الدامجة بالمؤسسات التعليمة نظمت المديرية الإقليمية لطاطا يوماً دراسيا حول التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة، والتي أشرف على فعالياتها عامل الإقليم، بحضور بعض المصالح الخارجية وإحدى الجمعيات المحلية المعنية بالموضوع، حيث أصيب المتتبعون للحقل التربوي بخيبة أمل كبيرة مرفوقة بتساؤلات أكبر أثقلت كاهل تفكيرهم في محاولات للإجابة عن: ما الذي يجري؟
أهو خلط في المفاهيم لدى كافة المتدخلين في ملف التربية الدامجة بالمديرية الإقليمية لقطاع التعليم، بين التربية الدامجة وأقسام الإدماج من جهة، والمؤسسات الاجتماعية التي تعنى بالأشخاص في وضعية إعاقة من جهة أخرى، أم خلط في المسؤوليات و مجالات التدخل ؟
قد لا يختلف اثنان على أن الجمعية المدعوة والتي عرضت تجربتها المتميزة، تعد جمعية رائدة في تبني مشاريع تُعنى بالأشخاص في وضعية إعاقة، ولا يمكن إلا التصفيق لها، لكن مع تطور المفاهيم وجب الإشارة إلى أن العناية بهاته الفئة من الأطفال في سن التمدرس داخل هذه المراكز والجمعيات يعتبر إقصاء وتمييز لها وفي حقها بإبعادها عن المدرسة، فهي توضع في هاته المؤسسة الاجتماعية دون أن تلج التربية، لذا فالفقرة الاستعراضية للجمعية وجب تنظيمها من طرف تلك الجمعية وليس من طرف المديرية الإقليمية لقطاع التربية والتكوين، لأنها في جوهر عملها تعارض وتختلف مع فلسفة هاته الأخيرة في تعاطيها مع ملف الأطفال في وضعية إعاقة، باعتماد مقاربة أقسام الإدماج ثم بعدها التربية الدامجة.
إن بزوغ مفهوم أقسام التربية الدامجة التي ترمي إلى الدمج المباشر للأطفال في وضعية إعاقة في القسم الدراسي العادي، وتضمن لهم حقهم في التمدرس مع نظرائهم العاديين، لهو وعي في محيط المدرسة المغربية بمحدودية تجربة أقسام الإدماج المدرسي المعتمد على العزل والتمييز. لذا، ومن خلال المناظرة الدولية التي نظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في يناير 2019 وأكد فيها على ضرورة تبني مقاربة التربية الدامجة، في أفق تحقيق مدرسة الإنصاف والعدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع، دون أي نوع من أنواع التمييز.
وأمام هذا المطلب الانتقالي، بادرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى إعادة النظر في وثيقة الهندسة المنهاجية لأقسام الإدماج المدرسي، عبر وضع إطار مرجعي للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة، يتجاوز منطق الأقسام المعزولة إلى منطق الدمج في الأقسام العادية، واعتبار المدرسة كلها مؤسسة دامجة تعمل على توفير شروط الدمج وضوابطه المادية والتنظيمية والبيداغوجية، بالإضافة إلى إنتاج دلائل للتوجيه و مجزوءات للتكوين لمختلف المتدخلين في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة.
لكن وبالنظر إلى واقع الحال، واستمرار العوائق التي تحول دون ولوج كل الأطفال في وضعية إعاقة للمدرسة، ومع استفحال ظاهرة الانقطاع المبكر بالنسبة للذين تمكنوا من ولجوها، فما تزال المديرية الإقليمية بعيدة كل البعد عن تحقيق ما تصبو إليه هذه المقاربة، لكي يتمتع هؤلاء الأطفال بالحق في التربية.
و من بين أهم تلك العوائق التي يسجلها المتتبعون للشأن التربوي بإقليم طاطا :
● انعدام قاعات الموارد للتأهيل والدعم، وتجهيزات الأقسام وتأهيلها بالوسائل والمعدات الديداكتيكي .
● انعدام توفير خدمات الدعم الاجتماعية كالنقل المدرسي الملائم لهذه الشريحة، و الولوجيات المعمارية، والخدمات الطبية وشبه الطبية، والمرافقات، والدعم المادي .
● ضعف التكوين الأساسي والمستمر للموارد البشرية في مجال التربية الدامجة .
● عدم العمل على إشراك مختلف الفاعلين، وتعبئة الموارد الكافية، وتأهيل القاعات وتجهيز المؤسسات بالولوجيات ، المواكبة الطبية، وغيرها من الشروط الضرورية، وهو الدور المنوط بالأكاديميات الجهوية ومديرياتها الإقليمية .
● عدم وضع إطار تعاقدي بين قطاع التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية يسمح بإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .
هذه العوائق وغيرها تعكس درجة مواكبة المديرية الإقليمية لهذا الملف، عكس مديريات أقاليم أخرى تقدمت بمراحل . وعودة لعلامة استفهامنا الثقيلة على فهمنا، ألم يكن بالأحرى، استغلال شغف واهتمام السيد عامل صاحب الجلالة على الإقليم بهاته الفئة الهشة، ورغبته في المساهمة في تيسير اندماج تلك الفئة وتوفير جميع الظروف والسبل الكفيلة بتوفير شروط عيش كريم لها، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لوضع مشروع وبرنامج عمل يروم التغلب على كل العوائق السالفة الذكر، لتجاوز مرحلة الترقيع إلى مرحلة التربية الدامجة الحقيقية والتي أهدر اللقاء فرصة حقيقية كانت لتصيب هدفا ولا أروع، هدف يجمع بين قوة اللعب الجماعي التي كانت لتحقق إشراكا واسعا للفاعلين الشركاء والمتدخلين، والمهارة التقنية التي كانت لتمكننا من مواكبة سائر الأقاليم المتقدمة التي عملت بجد و إجتهاد على تفعيل وإرساء التربية الدامجة بالمؤسسات التعليمة لرفع من مؤشرات النجاح المدرسي .