التصريح الصحفي للعصبة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان .
الجريدة العربية – متابعة
يخلد العالم في العاشر من دجنبر 2022، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي يصادف الذكرى الرابعة والسبعين لاعتماد وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948، وذلك بما تحمله هذه الوثيقة الكونية من قيم نبيلة تحث على المساواة والكرامة والعدالة، وبما تشكله أيضا من قيمة في تاريخ الإنسانية ، باعتبار السياق الدولي الذي تم فيه اعتماد هذه الوثيقة الأساسية، وبما جعل، بناء عليها، حقوق الإنسان مضمونة أكثر ومعترف بها بشكل أكبر في جميع أنحاء العالم، ومنها التحسينات التي شهدناها على مستوى حقوق النساء والأطفال والشباب و السكان الأصليين فيما يتعلق بحراسة أراضيهم وثقافتهم والحفاظ عليها، وإلغاء عقوبة الإعدام في العديد من البلدان .
ويجسد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صاغه ممثلون من جميع أنحاء العالم، لغة مشتركة لإنسانيتنا ، وقوة موَحِّدَة تكمن في صميمها كرامة الإنسان وواجب الرعاية الذي نَدين به لبعضنا البعض كبشر، كما يعد مخططا عالميًا للقوانين والسياسات الدولية والوطنية والمحلية. ويشكّل أيضًا أساسًا لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تروّج لاقتصاد يستثمر في حقوق الإنسان ويخدم مصالح الجميع.
إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي تستحضر أبرز المبادئ والقيم التي جاء بها الإعلان، وتأسيسا على مرجعتيها الكونية في الدفاع عن الحقوق والحريات ، التي ناضلت من أجلها أجيال من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، تغتنم فرصة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان من أجل التأكيد على انخراطها في الحملة العالمية التي أعلنتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والتي ستمتدّ على مدى عام كامل لتسلط الضوء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال التركيز على إرثه وأهميته والنشاط النضالي المنجَز ضمن إطاره عبر استخدام شعار “الكرامة والحرية والعدالة للجميع”.
كما تنتهز العصبة هذه الفرصة السنوية لتثير انتباه الدولة والرأي العام الوطني والدولي إلى وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، في ظل التباعد الملحوظ بين واقع الممارسة الحقوقية ببلادنا وبين ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتعتبر العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان هذا اليوم فرصة لتأكيد مواقفها الثابتة من القضايا الحقوقية التالية:
الممارسة الاتفاقية للمملكة وتعزيز الإطار القانوني في مجال حقوق الإنسان .
لازالت الحكومة المغربية لم تصادق على اتفاقية روما بشأن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولم تصادق على البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما لم تصادق على عدد من الاتفاقيات الدولية، منها الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية الحق في التنظيم، ولم يتم تنفيذ العديد من التوصيات، ولم توجه دعوة دائمة إلى جميع خبراء الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان لزيارة المغرب، ولم تتجاوب مع بعضهم، من بينهم المقرر الخاص المعني بحماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وكذا التأخير في تقديم التقارير إلى لجان المعاهدات. كما نسجل باستياء بالغ تأجيل الحكومة زيارة المقرر الخاص المعني بالفقر.
وفي هذا الصدد ندعو الحكومة المغربية إلى التصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات المشار إليها أعلاه ورفع كافة التحفظات والإعلانات والتفسيرات التي لازالت تبديها بخصوص بعض فصول الاتفاقيات المصادق عليها أو موادها، والعمل على مواصلة تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجان التعاهدية والإجراءات الخاصة، وفتح المجال أمام زيارات المقررين الخاصين والالتزام بتقديم التقارير إلى لجان المعاهدات في الوقت المحدد لذلك.
كما تجدر الإشارة إلى أن عددا من القوانين المغربية، لا تستجيب في مجملها لمتطلبات الملاءمة، وكذلك الأمر بالنسبة لمشاريع القوانين المعروضة على البرلمان للدراسة والتصويت، إذ كانت ومازالت محط انتقادات الحركة الحقوقية المغربية من زاوية عدم ملاءمتها للاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وقد سبق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أشارت إلى جانب عدد من المنظمات الحقوقية، من خلال التقرير الموازي للاستعراض الدوري الشامل، إلى مجموعة من القوانين أو مقترحات قوانين لم يراع فيها عنصر الملاءمة، نذكر منها : القانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين، والقانون رقم 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، والقانون رقم 17.62 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والقانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدراجها في التعليم وفي مجلات الحياة العامة ذات الأولوية، والقانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة.
ومن أجل تحديث المنظومة القانونية في مجال الحقوق والحريات والعدالة الجنائية، يتعين القيام بمراجعة شاملة للقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية، بغية تنزيل سياسة جنائية ناجعة وفعالة، تنسجم مع الدستور ومع التزامات المغرب بموجب المواثيق الدولية، كما يجدر بالحكومة أن تحرص على ضرورة ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية الصادرة في مجال حقوق الإنسان، وإشراك مكونات الحركة الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني المعنية في دراسة القوانين ذات الصلة بحقوق الإنسان، وإطلاق نقاش عمومي بشأن مراجعة القوانين المنظمة للحريات وتأسيس الجمعيات ومنح المنفعة العامة وتضمينها في مدونة للحريات العامة؛
الحقوق المدنية والسياسية
حماية الحق في الحياة
مازال موقف المغرب لم يتزحزح عن الاستمرار في رفض التصويت إيجابا على القرار الأممي المتعلق بوقف العمل بعقوبة الإعدام، الذي عرضته الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت في إطار دروتها الأخيرة، رغم كل المبررات التي تسوقها الدولة المغربية في شأن وقفها الاختياري لتنفيذ هذه العقوبة منذ سنة 1993، حيث خلفت لحظة الامتناع عن التصويت صدمة لدى كل المتتبعين للشأن الحقوقي بالمغرب، بفعل الخوف والرعب من إمكانية العودة إلى تنفيذ هذه العقوبة الوحشية خاصة أن محاكم المملكة قد استمرت في النطق بهذه العقوبة في عدة قضايا، وهو ما يجعلنا نجدد دعوتنا للدولة المغربية من أجل المصادقة على قرار وقف تنفيذ عقوبة الإعدام المرتقب مناقشته والتصويت عليه خلال الأيام القادمة، كخطوة في الطريق نحو الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام، وكذا تعزيز انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان من خلال الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام.
حرية الرأي والتعبير عن الآراء.
تشكل حرية التعبير عن الآراء جوهر وأساس المجتمع الديمقراطي المؤمن بقيم الاختلاف وتقبل الآراء، غير أن واقع الحال ما يزال يؤكد سنة بعد أخرى ضيق أفق الجهات المتحكمة في زمام السلطة بالمغرب، وعدم تسامحهم مع الآراء المخالفة برغم الانفراج الحقوقي الذي عرفه المغرب منذ سنة 2011 إلى حدود سنة 2015، التي تميزت بالتحول النكوصي فيما يتعلق بحرية التعبير، حيث سجلت سنة 2022استمرار المنحى التراجعي للمؤشر المتعلق بهذه الحرية، وذلك بعد تسجيل متابعة مجموعة من الصحافيين ونشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، والحكم عليهم بالسجن، وهو ما يجعلنا نجدد التذكير بما تضمنته المذكرة الترافعية حول حرية التعبير بالمغرب، التي قدمتها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى عدد من الجهات المسؤولة بخصوص ازدواجية التجريم في مجال التعبير.
كما تجب الإشارة إلى أن السياق الوطني لما بعد اعتماد دستور 2011، أضحى يختلف بشكل كبير عن سابقه، حيث عبرت المملكة المغربية في أكثر من مناسبة خلال تقديم تقاريرها إلى الهيئات التعاهدية أو بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل، عن عزمها إلغاء العقوبات السالبة للحرية في مجال الصحافة والنشر، بالإضافة إلى الازدواجية التشريعية التي أضحى يواجهها الفاعلون في مجال إنفاذ القانون بين كل من القانون الجنائي والقانون المتعلق بالصحافة والنشر، إذ أن معظم الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي تجد لها صدى في القانون المتعلق بالصحافة والنشر، مع اختلاف في العقوبات، حيث إن مقتضيات مجموعة القانون الجنائي، ومقتضيات المسطرة الجنائية جلها تقضي بعقوبات حبسية سالبة للحرية، في حين أن مواد قانون الصحافة والنشر خالية جلها من العقوبات السالبة للحرية.
وفي انتظار أن تنتهي الحكومة من مراجعتها للنصوص القانونية السالفة الذكر وتقديمها للبرلمان من أجل المصادقة عليها، ندعوها إلى نسخ المقتضيات القانونية المشددة الواردة في كل من مجموعة القانون الجنائي، أو قوانين أخرى، متى تبين تجريمها في مواد قانون الصحافة والنشر، وملاءمة قواعد التشريع الجنائي ذات الصلة بحرية التعبير والرأي والصحافة مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا اعتماد توجه يراعي التناسب في الأحكام بين الجرائم الممكن ارتكابها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما نطالب الحكومة بضرورة مراجعة العقوبات السالبة للحرية في قضايا التدوينات التي يقوم بها التلاميذ والطلبة، والاقتصار في ذلك على الغرامات، والحد من السلطة التقديرية للقضاة للبت فيما يعد من أعمال الصحافة وما لا يعتبر كذلك، وتكوين وتأطير القضاة في مجال حرية الصحافة والنشر والتعبير، والتنصيص على مبدأ التناسب بين الضرر المحدث والتعويضات المحكوم بها في قضايا القذف.
ضمان حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات
رفعت السلطات المحلية والإقليمية بعدد من مدن المملكة من وتيرة مضايقتها للحق في التأسيس والتجمع خلال سنة 2022، ضدا على القوانين، حيث لا تزال مجموعة كبيرة من الجمعيات تعاني التضييق في الحصول على وصولات الإيداع.
ذلك أن الإدارة أو السلطات المحلية في أحيان كثيرة، تعمد إلى القيام بممارسات تُضيق من خلالها على حرية تكوين الجمعيات، من قبيل: رفض تسليم الوصل المؤقت؛ أو رفض تسلم التصريح أصلا؛ كما الشأن بالنسبة للمصالح المختصة التابعة لولاية الرباط، والتي تصر على إخضاع هذا الحق لمنطق المزاجية والاصطفاف.
لقد نفى وزير الداخلية في أجوبة له أمام البرلمان خرق السلطات لمضمون الفصل الخامس من قانون الجمعيات في مناسبات متكررة، وهو ما يجعلنا نؤكد له عن استعدادنا في العصبة تقديم ملف متكامل يتضمن مئات حالات التعاطي غير القانوني للسلطات مع التصريحات بالإيداع المقدمة لها، ودعوته إلى تشديد إجراءات مراقبة تقيُد السلطات بالقانون عند تلقي التصريح بتأسيس أو تجديد الجمعيات، وإجبارها على تنفيذ القرارات النهائية الصادرة عن المحاكم لفائدة الجمعيات ضد القرارات الإدارية المتعلقة بالتأسيس أو التجديد، وإلزام السلطات المعنية بتقديم وصل إيداع الملف القانوني بتأسيس الجمعية داخل الأجل المحدد في القانون.
كما نطالب الحكومة بتحمل مسؤوليتها في هذا المضمار، وتمكين الجمعيات الحقوقية وفروعها من وصولات الإيداع، والعمل على تطبيق الإيداع الرقمي لملفات تأسيس الجمعيات، مع تبسيط مسطرة التصريح بإحداث الفروع المحلية للجمعيات الوطنية المتمتعة بالأهلية القانونية، ومراجعة القانون المنظم لتأسيس الجمعيات بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية والدستور وتدابير الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتراكم الحركة الجمعوية بالمغرب.
أما بخصوص الممارسة الفعلية لمضمون الفصل 29 من الدستور، تبقى غير متناسبة مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك بسبب التضييق أحيانا، على حق المواطنين في التعبير السلمي بواسطة الاحتجاج، وانتهاك الحق في التنظيم والتجمع، مع تسجيل استعمال القوة ضد العديد من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية السلمية.
وبغية تفادي الإشكالات المرتبطة بالحق في التظاهر والاحتجاج السلمي نطالب المشرع المغربي بإعادة النظر في النصوص المؤطرة للحق في التظاهر السلمي وباقي الحقوق المرتبطة به كالتجمعات والاجتماعات، لجعلها متلائمة مع الدستور والمعايير الدولية،ومع التطورات التقنية التي يعرفها العالم، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية المتضمنة في التشريع الجنائي بسبب التجمع والتظاهر السلميين، وتحديد معنى ومفاهيم التقييدات الممكنة بدقة والتي ترد عادة بصيغة فضفاضة (مثل عبارة أمن الدولة أو عبارة النظام العام).
حماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان
على الرغم من الاهتمام الدولي المتزايد بقضية حماية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتوصيات الصادرة عن مختلف الهيئات الدولية، التي التزم المغرب بالعمل بها وتنزيلها، إلا أن الواقع ما يزال يؤكد بكل أسف، استمرار الهجوم الشرس على هذه الفئة من كل المواقع، سواء تعلق الأمر بنشطاء الحركة الحقوقية، أو الصحفيين المهنيين، أو الفعاليات النقابية، أو غيرهم، بحيث سجلت العصبة بروز أنماط جديدة من الهجوم على هؤلاء المدافعات والمدافعين، تمثلت في استهداف الشرف والاعتبار الشخصي، من خلال استعمال بعض المنابر الإعلامية المتخصصة في التشهير، ناهيك عن المتابعات القضائية بناء على تهم ملفقة، وقضايا ترتبط بالحياة الشخصية للأفراد.
والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان واستشعارا منها بالمضايقات التي باتت تهدد هذه الفئة من المناضلات والمناضلين بادرت إلى رفع شعار “حماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان دعامة للحقوق والحريات” خلال المؤتمر الثامن المنعقد ببوزنيقة 1- 2 -3 نونبر 2019، حيث تميزت اشغال المؤتمر بالتأكيد على وجود نية مقصودة تستهدف النضال من أجل حماية حقوق الإنسان، وقد تأكد منذ تلك الفترة وبدا أن حدة الهجوم على المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان قد ازدادت ، وأضحى أفق توفير مساحات لهم للاشتغال الحر بعيد المنال من خلال ممارسات تضييقية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما تتعرض له الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان من ضغط السلطة، بل وقد أصبحت عرضة لسياسة انتقامية تمارس ضدها،كما أن مضامين الإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان تنتهك يوميا من خلال عدم احترام الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان، وغياب الضمانات المفترض توافرها لحماية المدافعين عن الحقوق.
وبالنظر للأدوار الهامة التي ينهض بها المدافعون عن حقوق الإنسان، في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ونشرها، وتربية الناشئة عليها، وتحسيس الرأي العام بأهميتها في شموليتها، ورصد الخروقات والانتهاكات الممكن أن تتعرض لها، والعمل على حمايتها، كان من الجدير بالاهتمام الاستجابة إلى الدعوات التي ما فتئت ترفعها المنظمات الحقوقية المغربية إسوة بنظيراتها على المستوى الدولي في سن تشريعات تحمي المدافعين عن حقوق الإنسان، وتلزم السلطات بتوفير المجال الحر لممارسة أدوارهم الطلائعية في النهوض بقضايا حقوق الإنسان.
كما لايفوتنا بهذه المناسبة أن نؤكد على أن عددا من مناضلي العصبة قد تعرضوا في مناسبات متعددة للتضييق أو المتابعة القضائية من طرف جهات مسؤولة، بسبب ممارستهم لواجبهم النضالي، نذكر من بينهم على سبيل المثال الأخ مصطفى زروال، مناضل العصبة بقلعة السراغنة، والذي تمت متابعته من قبل مسؤول بوزارة الصحة، بعد كشفه عن الاختلالات التي يعيش على وقعها المستشفى الإقليمي، والأخ بنعيسى الشيباني عضو المجلس الوطني للعصبة والمكتب الاقليمي بتاونات والكاتب المحلي بقرية با محمد، بعد استنكاره للطريقة المهينة التي تعامل بها قائد بالمنطقة مع الحقوقيين والجمعويين.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية
الحقوق الشغلية
عرفت هذه السنة تطورا من ناحية تفاعل الحكومة مع النقابات، وخلصت مشاورات الحوار الاجتماعي إلى اتفاق تضمن عددا من المقتضيات، أهمها الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص بنسبة 10 في المائة على دفعتين ابتداء من العام المقبل، ورفع الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 3500 درهم صافية، بالإضافة إلى حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين إلى هيئتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، ورفع حصيص الترقي من 33 في المائة إلى 36 في المائة، والتزام الحكومة بتخفيض الضريبة على الدخل ومنح إجازة أبوية لمدة 15 يوما لتمكين الآباء من مساعدة زوجاتهم في الأسبوعين الأولين من الولادة، كما تضمن الاتفاق توحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي مع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة في أفق 2028، ورفع التعويضات العائلية من 36 درهما إلى 100 درهم بالنسبة للطفل الرابع والخامس والسادس.
ونص الاتفاق كذلك على تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم، وتمكين المؤمن له البالغ حد السن القانوني للتقاعد المتوفر على أقل من 1320 يوم من الاشتراك، من استرجاع الاشتراكات الأجرية واشتراكات المشغل، بالإضافة إلى تمكين المؤمن لهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المحالين على التقاعد المتضررين من الجائحة من معاش الشيخوخة دون احتساب الحالة التي لم يحصلو فيها على أي أجر، أو حصلوا فيها على أجر غير كامل، كما تم التوقيع على ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي، الذي يتضمن إحداث مرصد للحوار الاجتماعي وأكاديمية في مجال الشغل تتكلف بالتكوين المستمر والرفع من قدرات الأجراء، وهيكلة الحوار الاجتماعي عبر إحداث لجنة عليا يترأسها رئيس الحكومة، وإحداث لجان جهوية وإقليمية تتولى العمل على تنفيذ مقتضيات الميثاق الاجتماعي وحل نزاعات الشغل الإقليمية والجهوية.
وبالرغم من كون الميثاق قد تضمن العديد من القرارت التي قد تحدد مستقبل الملامح العريضة لتعامل الحكومة مع الطبقة الشغيلة، إلا أننا نتوجس من اصطدام هذه القرارات بواقع التنفيذ الذي يبرزه تخشب المساطر المعتمدة، وكذا الاختيارات المخيفة للحكومة في مجال التشغيل وانتصارها لإملاءات المؤسسات المالية الدولية على حساب مستقبل الأجيال، وذلك باعتمادها لمقاربة التشغيل بالتعاقد أو التشغيل المحدد المدة… وكذا توجيه أغلب مناصب الشغل بالقطاع العام نحو قطاعات بعينها على حساب القطاعات الاجتماعية التي هي في أمس الحاجة إلى الأطر، والإجراءات الترقيعية المضمنة بقانون مالية 2023 في مجال التشغيل وحقوق الطبقة العاملة وكذا تلك التي تستهدف المتقاعدين أو المقبلين على التقاعد.
هذا بالإضافة إلى كون بعض القرارات تحتاج إلى التجويد والتدقيق، خاصة القرار المرتبط بتخفيض الضريبة على الدخل، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبرها تحسينا للدخل بل هي حق، وأن تحسين الدخل يتمثل في الزيادة في الأجور من أجل دعم القدرة الشرائية للطبقة العاملة خاصة خلال هذه الفترات الحرجة والعصيبة.
الحق في الصحة
يعاني قطاع الصحة العمومية بالمغرب من مجموعة مضاعفات اجتماعية ومادية، مرتبطة أساسا بالنمو الديموغرافي المتزايد خلال السنوات الأخيرة، مقابل هزالة الدعم المادي المخصص لهذا القطاع وتوالي التجارب البرامجية الفاشلة.
فبعيدا عن وهج وبريق تلك الاستراتيجيات الحالمة المزدحمة بالأرقام والأوهام، فإن واقع الحال يؤكد استمرار معاناة المواطنين اليومية الناتجة عن سوء اشتغال وسير القطاع وقصور في النظام العام للصحة.
وقد عانى قطاع الصحة هذه السنة كما السنوات الماضية من سوء تدبير وتعميم الخدمات الصحية، ولم يأخذ المشرفون على تدبير هذا القطاع، بعين الاعتبار السياق الصحي الوطني والدولي، ولم تشهد نسبة التكفل بالأمراض المزمنة، أية تغييرات تذكر، وعرفت مسألة ارتفاق المستشفيات العمومية، مجموعة من الاختلالات لعل أبرزها تلك التي ارتبطت بفضائح فساد، و ظلت مسألة خفض أثمنة العديد من الأدوية والـمستلزمات الطبية الباهظة الثمن مؤجلة إلى إشعار آخر، بل إن بعضا من الصفقات المتعلقة بعدد منها ، كصفقة الدواء الجنيس لداء “الالتهاب الكبدي ب”، ظلت موسومة بعلامات استفهام.
إنه وبالرغم من عزم الدولة على اعتماد مقاربة الحماية الاجتماعية، وبالرغم من كون مشروع قانون المالية قد رفع ميزانية وزارة الصحة بحوالي 19 في المائة، حيث وصلت إلى أكثر من 27 مليار درهم، بزيادة قدرها 4.6 مليارات درهم مقارنة مع سنة 2022، وخصص لها 5500 منصب مالي جديد، إلا أن هذا الإعلان عن النوايا يحتاج إلى العزيمة والإصرار واجتثات منابع الفساد بهذا القطاع، والتي ظلت عائقا أمام جل مشاريع التجويد، كما أن التزامات المغرب الدولية والوطنية، وتفعيل الفصل 31 من دستور المملكة الذي ينص على أن: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية؛ الحق في الرعاية الصحية؛ …” تستوجب السعي إلى إعمال رؤية شفافة طموحة تعجل بتحقيق الأمن الصحي للمواطنين، في كل أبعاده، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، سواء بخصوص الولوج للخدمات الصحية، أو وضع استراتيجية دوائية تستجيب للحاجيات الوطنية.
حقوق المرأة
على الرغم من كل الخطابات البراقة التي يتم تسويقها في مجال النهوض بأوضاع النساء بالمغرب، ومكافحة أشكال التمييز ضدهن، من خلال استمرار العمل بالخطة الوطنية للمساواة “إكرام” في صيغتها الثانية، واعتماد قانون جديد لمكافحة العنف ضد النساء، إلا أن الممارسة مازالت تثبت أن المساواة بين الرجال والنساء والمناصفة ليست سوى أماني بعيدة المنال، خاصة في ظل عدم تعيين هيأة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز، واستمرار أنماط من التحرش والعنف المعنوي داخل أماكن العمل في القطاع العام كما في القطاع الخاص، مما يؤثرسلباعلى ولوج المرأة المغربية لمناصب المسؤولية داخل الإدارات العمومية. ناهيك عن طغيان الثقافة الذكورية واستمرار تسويق الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، وعدم مراعاة خصوصيات النساء، في كل ما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية من خلال استمرار عدم شمول الأدوية والعقاقير المرتبطة بتنظيم الأسرة بالتغطية الصحية.
الحق في التعليم ذي الجودة
مايزال التعليم في المغرب يشكل حقلا للتجارب، التي يتم فيها اختبار كل الاستراتيجيات والخطط، التي تستنزف أموالا طائلة من ميزانية الدولة، لتثبت لاحقا عدم جدواها وعدم فعاليتها، فبعد المخطط الاستعجالي اعتمدت الحكومة المغربية الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التي قام ببلورتها المجلس الأعلى للتعليم، قبل أن تتم ترجمتها في شكل قانون إطار تم الشروع في تنزيل مقتضياته سنة 2019 حتى قبل المصادقة عليه في البرلمان ونشره في الجريدة الرسمية، مما خلف جدلا واسعا، خاصة فيما يتعلق بمبدأ التناوب اللغوي، ناهيك عن استمرار مظاهر الطبقية في التعليم بين تعليم البعثات والتعليم الخصوصي والتعليم العمومي، مما يشكل أحد أوجه غياب العدالة الاجتماعية، خاصة في ظل عمل الحكومة على تشجيع التعليم الخصوصي.
كما زاد من هشاشة وضعف المنظومة التعليمية بالمغرب، تلك الازدواجية المرتبطة بأطر التعليم الموظفين، والأساتذة المشتغلين بعقدة.
إن الحكومة اليوم ملزمة ـ بما يمنحها القانون من صلاحيات، بالعمل على قبول وتدبير التنوع وضمان الحرية والإنصاف في الولوج إلى المعرفة، وتشجيع التفكير النقدي وحرية التفكير كركائز أساسية للتعلم، مع إقرار تقويم منتظم يمكن من إطلاع المجتمع ومختلف الفاعلين والرأي العام على إنجازات المنظومة ومكامن قصورها وقوتها، والاهتمام والارتقاء بأوضاع رجال ونساء التعليم وإعادة الاعتبار لهم ماديا ومعنويا، مع المطالبة بتسوية وضعياتهم الإدارية والمادية، وتمكينهم من جميع حقوقهم، وجعل مهنة التعليم أرقى مهنة، كما فعلت بعض الدول.
كما يتوجب على الحكومة الإسراع بتنفيذ خطط تحد من الهدر المدرسي، على مستوى التعليمين الأولي والابتدائي لبلوغ التعميم التام للتمدرس، وتحسين معدل الاحتفاظ بالتلاميذ في المنظومة التعليمية، مع ضرورة الاهتمام بتعليم وتكوين يرتكز على المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات والمهارات البيضاء… وتوحيد المناهج الدراسية من التعليم الابتدائي حتى الجامعة، والابتعاد عن الازدواجية التي تسم المقررات الحالية، والعمل على انفتاح واندماج المدرسة في محيطها العام، حتى تكون المناهج منسجمة مع انشغالات واهتمامات المتعلم من جهة والمجتمع من جهة أخرى، والسعي إلى الرفع من جودة التعليم لدى التلميذ والطالب المغربي.
دعم القدرة الشرائية للمواطنين
أثر التواتر في مواسم الأمطار الضعيفة بشكل كبير على الاقتصاد المغربي وأضحى تحول الجفاف أحد التحديات الهيكلية في بلادنا، حيث توقع الخبراء أن يكون له تأثير شديد طويل الأجل على الاقتصاد المغربي وهو ما بدأت ملامحه تنعكس بشكل جلي على القدرة الشرائية للمغاربة.
وشهدت هذه السنة ارتفاع معدلات التضخم الذي زادت الحرب في أوكرانيا من مستوياته، وتوقع البنك الدولي في تقرير له، أن تتسارع وتيرة تضخم أسعار المستهلكين لتصل إلى 5.3% هذا العام أي بارتفاع نسبته تصل إلى 1.4% مقارنة بسنة 2021.، وقد يؤدي ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للأسر المغربية من الفئات الأفقر والأكثر احتياجاً.
ورغم إعلان الحكومة عن دعمها لمجموعة من القطاعات والمهن إلى أن زيادة احتياجات الإنفاق، الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية العالمية وانخفاض الإنتاج المحلي من الحبوب جعلت من تلك المبادرات غير كافية، وهو ما تسبب في إفلاس عدد من المقاولات الصغرى وتسريح للعمال وتفقير ملايين الأسر وهو المعطى الذي أكدته دراسة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط في شهر أكتوبر الماضي، حيث أبرزت أن 3.2 ملايين شخص إضافي انضموا إلى “لائحة الفقر أو الهشاشة” جراء تبعات الجائحة وآثار أزمة التضخم، وأن المغرب فقد ما يقرب من 7 سنوات من التقدم المحرز في جهود القضاء على الفقر والهشاشة، مشيرة إلى أن “وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب قد تراجعت فعليا إلى مستويات سنة 2014 ، كما أكدت أنه ارتفاع عدد الفقراء بالمغرب بسبب جائحة كورونا وصل إلى نسبة 45%، وبسبب ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك وصل إلى نسبة 55% الباقية.
وبغض النظر إلى الإصلاحات الهيكلية التي تصرح الحكومة في كل مناسبة باعتمادها لتجاوز الأزمة و إعادة الأمور إلى نصابها، فإننا نرى في العصبة أن التعامل الاستعجالي معها يستوجب أولا عقلنة عملية تصدير الخضر و البواكر التي وصل ثمنها إلى حدود خيالية فاقت في أحايين عدة الأثمنة التي تعرض بها في سوق الدول المستوردة لها، ومحاصرة المضاربين الذين يتاجرون بالأزمات، ويعمدون إلى تخزين هذه المنتجات من أجل رفع ثمنها، هذا بالإضافة إلى ضرورة إيجاد حل عاجل لتنامي ظاهرة ارتفاع أسعار المحروقات بالمغرب و التي يبدو أن الحكومة أضحت عاجزة أمامها لصالح شركات التوزيع التي تخصصت في الآونة الأخيرة في إيجاد مسوغات ومبررات الارتفاع، كما أن التأخر في إخراج النصوص التطبيقية المتعلقة قانون “الهيدروكاربور”، الذي تعاقبت عليه ثلاث حكومات.و الذي من شأنه أن يحدد المسؤوليات في هذه القضية ويضع حدا لتقاذفها بين المتدخلين، يجعلنا نضع أمام مسؤولية الحكومة أكثر من علامة تعجب .
الحق في الماء
انخفض توفر الموارد المائية المتجددة بين سنتي 1960 و2020، من 2560 مترا مكعب إلى حوالي 620 متر مكعب للشخص الواحد سنوياً، مما وضع المغرب في حالة “الإجهاد المائي الهيكلي”، كما أن الحجم الفعلي للمياه المخزنة في السدود الرئيسية في البلاد انخفض خلال معظم السنوات العشر الماضية، رغم أن المملكة تتوفر على أكثر من 120 سداً كبيراً ، وهو ما يعني حسب خبراء أن الحلول الهندسية لم تعد كافية الثروة المائية ببلادنا، إلا أن الخبرات العالمية في مجال مواجهة شح المياه تشير إلى وجوب اقتران “الحلول الهندسية” بسياسات فعالة لإدارة الطلب على المياه.
إن حق الإنسان في الماء يستوجب منح كل فرد الحق في الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها مادياً كما تكون ميسورة التكلفة لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية، وبالتالي، وجب على الدولة أن تستكمل جهودها لتطوير البنية التحتية بسياسات إدارة الطلب على المياه التي تحفز الموارد المائية المستدامة والفعالة والعادلة، واتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من زحف الزراعات المستنزفة للفرشة المائية والتي قد تؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها خاصة بجهة درعة تافيلالت، التي تفشت فيها بشكل ملفت زراعة البطيخ بكل أ”الكرامة والحرية والعدالة للجميع”