ثقافة و فن

والدتي , ذاكرتي ….

لحسن كوجلي.

جانب من تاريخ المقاومة بمنطقة بين الويدان اقليم ازيلال – الحلقة الأولى –

بقلم لحسن كوجلي .


كثيرا ما يسمع عن اقليم ازيلال كونه ارض لمقاومين أشداء أبانوا عن الشراسة القتالية خلال مقاومتهم للاستعمار الفرنسي الغاشم ابان حقبة ما بعد الحماية, الا ان كثيرا من الناس يجهلون حقيقة اسماء بعض المقاتلين الابطال الذين كشفت ساحات الوغى عن شجاعتهم القتالية خلال مرحلة المقاومة, باستثناء شخصية احماد أحنصال المعرف بالشهيد احمد الحنصالي المشهور ببطولاته القومية التي نظيرها نال لقب ” سفاح تادلة ” من طرف الغزاة, ودفعت بالإعلام الفرنسي الى تلميع صورته كبطل قومي, حيث استعصى عليهم فعل الوصول اليه الا بعد ان سخرت دولة فرنسا العظيمة جيشا قوامه 10 الاف مقاتل من اجل اعتقاله والقضاء عليه رميا بالرصاص لقاء حكم عنصري استبدادي جائر تم النطق به وهو قيد الأسر, ليترك خلفه مقاومين اخرين من الرجال الذين لا يقلون منه عظمة وخبرة وشأنا بين الناس, والذين للأسف لم يتم تسليط الضوء عليهم كما يستحقون.

ايت اعزى, فخدة بقبيلة ايت بوزيد بمنطقة ازيلال, لم يكتب ان وصلها مداد مدوني التاريخ, رغم كونها حاملة في كنفها لرجال عظماء حفظ المستعمر الغازي اسماهم عن ظهر قلب لما اظهروه من شراسة قتالية, قبل احتلاله لأرضهم واغتصابه لترابهم. ومن ضمن هؤلاء الرجال شخصين عظيمين, بطلين قوميين, هما ميمون اعبو نايت حساين والحاج بناصر نيكوجيلن, قائدين شاء القدر ان اصير حفيدهما من جهتي الاب والام معا. أما الأول, فهو جد امي من والدتها, والثاني شقيق جدي من والدي
وتقول جزء من رواية استقيتها من المرحومة والدتي عيدة علي نايت كامو التي حفظتها عن ظهر قلب هي الاخرى من والديها علي احمو نايت كامو وتودة ميون نايت حساين, انه عند المحاولة الأولى للمستعمر الفرنسي للتقدم من اجل احتلال منطقة بين الويدان متسللا اليها من ازيلال عبر ايت امحمد, نجحت كل المناطق المجاورة في افشال رغبة الغازي في التمدد صوب هدفه, بعد ان تضامنت ضده كل من قبائل ايت عطا, ايت مازيغ, ايت امكدول, ايت بوزيد, ايت اصحا, تيلوكيت وازيلال
ميمون اعبو نايت احساين, واحد من القادة الذين كان لهم دور كبير في افشال مجموعة من عمليات تقدم العدو نحو مساحات جديدة, منها واقعة النزال الحربي الشرس التي جمعت طرفي القتال بمنطقة تسمى تيزي نتسافت, حيث عرفت ساحتها استشهاد عدد كثير من المقاتلين من كلا الفريقين, أرغمت العدو اخيرا الى التراجع نحو منطقة ايت اعتاب حيث كان مستقرا من ذي قبل 7سنوات. و حيث انه من مخططات المستعمر حينذاك انه كلما احتل شبرا من الارض يفرض على رجالها القتال الى جانبهم ضد اشقائهم المغاربة الذين لم يحتلوا ارضهم بعد.

وجرى بعد ان ارس المستعمر تمدده على ارض ازيلال ووضعت الحرب اوزارها, التقى احد المحاربين العتابيين الذي كان في مرحلة الهجوم على منطقة بين الويدان يدافع الى جانب الغزاة في معركة تيزي نتسافت, التقى بالمقاتل ميمون اعبو نايت احساين وقال له, ارى انك من كنت ترتدي السلهام الأسود في معركة تيزي نتسافت, وكنت في الزاوية كدا وكدا , اعلم ان كل رمياتك التي كنت تسددها صوبنا كان لا تمردون ان تسقط مقاتلا من المجموعة, وظل الفرنسيون يسألون عن هويتك.
خلال السبع سنوات التي قضاها المستعمر في منطقة ايت عتاب, كان في كل مرة يناوش فيها على المناطق المجاروة, يضربها ويتراجع, ظل يستعمل تلك الخطة لقياس قدرات المقاومين من جهة, ويحاول اضعافهم نفسيا حتى يسهل عليه الوصول اليهم في القادم من الأيام , وكان في كل تجربة له يصطدم بالمقاومة الشرسة لميمون اعبو والحاج بناصر ومرافقيهما
معركة سيدي علي ابن ابراهيم ببني عياط الشهيرة, كانت ايضا موضوع مشاركة المقاومين ميمون اعبو والحاج بناصر, لاعتبارهما قائدين معروفين يتم التواصل معهما من مناطق الجوار عند الاستشارة او عند الحرب. كانا يتنقلان على ظهر الخيول ويقودان فصيلة من المشاة اغلبهم من الشباب, تلقوا على ايديهما ابجديات وفنون القتال, يرسمان لهم الخطط, ويعطيهما الاوامر, وينيران لهم المسالك والطرقات اثناء التحرك او الهجوم اوعند مغادرة الميادين الحربية
خلال احدى المعارك بسيدي علي بن ابراهيم, كان جدي من امي يحمل اسم علي اوحمو رحمه الله, وهو من المقاتلين الاشداء من الطبقة البسيطة, في يوم التقى فيه بحوالي 6 مقاومين من مختلف المناطق المجاورة, وكانوا على نية المبيت في محيط الزاوية, تعاهدوا على الا يغدروا ببعضهم, و في ذلك اليوم ومع اقتراب حلول الظلام خرج عليهم بالصدفة احد الفرنسيين قام بسرقة دجاجة من احد المنازل وهو على نية ان يتعشى بها, فما كان من اؤلائك الستة الا ان سددوا عليه النار مرة واحدة, دون تمكنهم من معرفة الذي ارداه قتيلا. بعد سقوطه تسابقوا جميعهم نحوه, كل يبحث فيه عن حاجته, ما جعلهم يسقطون عليه دفعة واحدة, فكان غاية جدي في حصوله على سلاح الفرنسي, فيما الاخرين كانت ضالتهم تجريده من كل ما كان يحمله, من ساعة يدوية ومجوهرات ونقود الى غير ذلك
وتضيف رواية اخرى عن المقاوم ميمون اعبو, انه في يوم كان يمضي في مقدمة فصيل من المقاتلين وهو على ظهر حصانه كالعادة, لاضاءة الطريق في اتجاه منطقة سيدي علي ابن ابراهيم, لشديد معرفته بالمسالك. وفي غفلة منه رصدته طائرة العدو, فصارت ترشقه بدون توقف ومن كل الزاويا, فمضى يسرع بكل جهد الحصان عائدا نحو مقاتليه الذين تركهم في الخلف, الذين كانوا يتساءلون في حينه عن نوع الهدف الذي كانت طائرة العدو تطلق عليه وابل من القنابل تباعا, دون ادراكهم ان ان ذلك الصيد لم يكن سوى قائدهم ميميون اعبو. ويقول علي احمو الذي كان من بين المشاة, انه حين لحق بهم ميمون اعبو عائدا اليهم حيا, وجدوا حصانه كله يقطر دما مما طاله من شظايا القذائف التي كانت تتطاير من كل جوانبه, مضيفا انهم وجدوا صعوبة بالغة في انزاله من على ظهر الحصان و في فك يديه من لجام خيله لهول الصدمة التي كانت تعتليه بعد وصوله اليهم امنا بأعجوبة بالغة. وإن نجى في ذلك اليوم, لكنه لم ينجو في معركة أخرى في الساحة نفسها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....