أعمدة الرأي

واقع المسؤولية والفساد المحتمل في بعض المؤسسات الاستراتيجية والحيويّة بالمغرب

الجريدة العربية – مشنون عبدالله*

يأتي إعفاء مدير ميناء طنجة المتوسط في سياق حساس بالنظر إلى الدور الحيوي والاستراتيجي الذي يلعبه الميناء كأحد أكبر الموانئ في إفريقيا والمتوسط، إذ يمثل نقطة ارتكاز في التجارة العالميّة والاقتصاد المغربي. ورغم عدم الكشف الرسمي عن الأسباب المباشرة لهذا الإعفاء، فإن مثل هذه القرارات غالبًا ما تكون مرتبطة بملفات التدبير المالي، أو الشفافية أو تجاوزات إدارية قد تكون لها تأثيرات على السير العادي للمرفق العمومي.

الفساد الإداري بالمغرب؛ بنية مزمنة أم حالات فردية؟
الفساد الإداري في المغرب ليس ظاهرة جديدة، بل هو جزء من إشكالية عميقة ترتبط بضعف الحكامة، وغياب المساءلة الحقيقيّة، والتداخل بين المصالح الشخصيّة والمصلحة العامة.

هذا، ويمكن تصنيف الفساد الإداري بالمغرب، إلى عدة أشكال منها:

  • الزبونية والمحسوبية: تعيينات في مناصب حساسة بناءً على الولاءات الشخصية أو السياسية بدلًا من الكفاءة.
  • اختلالات في تدبير الصفقات العمومية: حيث يتم تفصيل بعض الصفقات على مقاس جهات معينة لضمان الاستفادة الشخصية.
  • التهرب من المحاسبة: رغم وجود مؤسسات رقابية مثل المجلس الأعلى للحسابات، فإن المتابعة القضائية في قضايا الفساد تبقى محدودة.

ميناء طنجة المتوسط كنموذج للحكامة والاختلالات :
يُعتبر ميناء طنجة المتوسط نموذجًا ناجحًا للمشاريع الكبرى في المغرب، بفضل بنيته التحتيّة الحديثة وتدبيره الاحترافي مقارنة بعدة قطاعات أخرى. لكن أي خلل في هذه المنظومة يمكن أن يشكل تهديدًا لمصداقية المشروع تجاه الشركاء. فإذا كان الإعفاء مرتبطًا باختلالات تدبيرية أو شبهات فساد، فهذا يعني أن الفساد قد طال حتى القطاعات الأكثر حساسية واستراتيجية، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على ضبط مثل هذه الملفات.

الإصلاح ومكافحة الفساد، بين الخطاب والممارسة:
رغم أن محاربة الفساد تُعد من الأولويات المعلنة للحكومة، إلا أن النتائج على أرض الواقع لا تزال جد متواضعة. ولا يكفي إصدار قرارات الإعفاء وحدها، بل المطلوب هو :

  • تعزيز الشفافية في تدبير المرافق العمومية عبر نشر التقارير المالية والمحاسبية.
  • تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة القضائية بدلًا من الاكتفاء بالإعفاءات الإداريّة.
  • حماية المبلغين عن الفساد لضمان كشف مزيد من الخروقات.
  • تطوير آليات الرقابة الداخلية داخل المؤسسات الاستراتيجية لمنع وقوع التجاوزات قبل تفاقمها.

خاتمة
إعفاء مدير ميناء طنجة المتوسط، سواء كان بسبب شبهات فساد أو اختلالات في التدبير، يعكس وجود أزمة ثقة في إدارة وتدبير بعض المؤسسات الإستراتيجيّة. وهو تذكير بأن الإصلاح الحقيقي لا يكون فقط عبر تغييرات في المناصب، بل عبر بناء منظومة متكاملة تضمن الشفافية والمساءلة الحقيقية.


* الأستاذ عبد الله مشنون كاتب و محرر صحفي ومدير النشر بجريدة إيطاليا تلغراف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى