أعمدة الرأي

نقرة جيم عند العقول المتحضرة والعقول المتحجرة .

الجريدة العربية – إدريس زياد

حتى لو وقف كل أصدقائنا في هذا العالم الافتراضي على رِجْل واحدة يصفقون لنا و”يُجمجمون” لما نكتب، فهم في النهاية لا يتجاوزون سكان زقاق واحد في حي سكني، منهم من يحبنا بصدق ومنهم غير ذلك، ولكن أنفسنا السيئة تقنعنا أنهم بحجم كل سكان الأرض، وعقولنا تصبح كعقل النملة عندما يصور لها ظلام الليل جيشاً من النمل قد ملأ العالم، وأن تصفيقاتهم أو إعجابهم يعني أننا خير من كتب، وخير من فكر، وخير من أبدع، وخير من أسفر عنه صبح وطلعت عليه شمس في هذا الزمان، وحتى بعض التدوينات المهترئة تصبح في نظرنا معلقات، والويل والثبور لمن حاول علاج أنفسنا أو ردنا إلى حجمنا، فنحن لا نتواضع لنقبل نقداً ولا نتواضع لنحترم ما خطه سوانا، ولا نتنازل عن عرش وهمي نجلس عليه ملوكاً لا يشبهنا أحد، ولا يقترب من ظلنا أحد…

الأستاذ إدريس زياد
الأستاذ إدريس زياد

كما أحدثكم عن بعض مرضى النفوس الذين تجاوزوا حدود اللياقة والآداب في التعامل مع الاختلاف والمختلف، سقطوا في جب الوقاحة ومستوى الدونية إلى درجة تحريض الأصدقاء المشتركين على صفحات هذا الفضاء بالكف عن الإعجاب بالتدوينات والكتابات التي لم ترقهم أو لم يعجبهم كاتبها أو تخالف توجهاتهم، فعندما تكتب منشوراً على الفايسبوك أو يعيد بعض الأصدقاء نشره تتفاجأ بأسماء جديدة مرابطة لم تعتد وجودها على صفحتك حتى طالها النسيان، تنقض على صاحب المنشور وتنهشه بكل شماتة كالكلاب الضالة الجائعة بأنياب حادة وآذان منتصبة وعيون جاحظة، وأحياناً تجدهم يتسللون كاللصوص ليضعوا إعجابات أو قلوب على التعليقات التي تهاجمك، تَخلّص من هؤلاء فوراً عن طريق تقنية الحذف الرائعة…

ولا ننكر أن في هذا العالم الأزرق قوة حقد خفية تخلع طرابيش الأقلام، وتغري شخصيات وازنة بالكتابة المتصلة نصاً متهافتاً بعد نص مبعثر في حال طيش عجيبة تهوي بمستوى النصوص إلى قيعان ثرثرة قد تسيء لصاحبها وهو عزيز، وتصغره وهو كبير، وقد توقعه فيما يخدش المروءة أو يجرح المقام، فمن كان يؤمن بمقام الكلمة فليكتب متقناً أو ليصمت، الفكر يملي والقلم يدون وفي النهاية كل ينفق مما عنده، والاختلاف هو عين الجمال وتوازن الكون، والحسن يظهر حسنه الضد، المجد كل المجد لمن رفعه الله فتواضع ولمن أبدع فانحنى…

تحية لكل الذين يقرؤون التدوينات والمقالات ويُعجبون بها، غير أن كبرياءهم يمنعهم من الدوس على خيار الإعجاب جيم، والتحية موصولة لأولئك الذين يُعجبون بما يُكتب، غير أن خوفهم من المساءلة يمنعهم من وضع جيم، أما الذين يقرأون عن سوء نية وبهدف التلصص والوشاية فهؤلاء لا تحية لهم…

تلك جيم العجيبة ربما هي تعبير عن الأحاسيس وتذوق المقالات والفن والصور بروح القيم، لكن أدركت أنها مجرد نقرة عند البعض وقمة الجمال والنعم عند نبلاء الروح، نعم هذه جيم هي تارة تشد وتكون مصدر إلهام وتارة تكون بائسة وتارة تزعج الوجدان وتارة تكون لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وتارة أخرى تتصرف أناملنا لنقلها وإهدائها بانسياب إما عبثاً أو مجاملة أو محاباة لمن لا يعيرها شكلاً أو مضموناً.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....