
محمد بن سلمان: رجل المرحلة وصانع التحولات في الشرق الأوسط
الجريدة العربية -عبد الله مشنون*
في زمن تتقاطع فيه التحديات الإقليمية بالتحولات الجيوسياسية، برز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بوصفه رجل المرحلة العربية بامتياز، ليس فقط كقائد شاب طموح يقود بلاده نحو الحداثة والتحديث، بل أيضًا كفاعل إقليمي يرسم توازنات جديدة تتجاوز حدود الخليج إلى الإقليم، وتلامس أروقة القرار الدولي.

أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية التي قادها الأمير محمد بن سلمان تمثّل في إسهامه الفعلي في رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، بعد سنوات من الحصار والعزلة. هذه الخطوة لم تكن مجرد قرار سياسي، بل كانت ثمرة رؤية متكاملة لإعادة تأهيل النظام العربي الرسمي وتعزيز مقاربة “الانخراط بدل العزل”، وهو ما مهّد الطريق نحو إعادة دمج دمشق في المشهد الدبلوماسي الإقليمي والدولي.
في هذا السياق، لعبت القيادة السعودية دور الوسيط النزيه والفاعل، حيث نجحت في ترتيب لقاء تاريخي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع، في سابقة لم تحدث منذ أكثر من ربع قرن. اللقاء، الذي عُقد في العاصمة السعودية، لم يكن فقط نتيجة ظروف دولية سانحة، بل أيضًا نتاج تحولات مدروسة تقودها الرياض بثقة وهدوء وبتنسيق دقيق مع الأطراف الفاعلة في المشهد الدولي.
التحول الأعمق يكمن في الدور المتغير الذي باتت تؤديه المملكة العربية السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان. فبينما كانت المملكة، تاريخيًا، تُعرَف بثقلها الديني والاقتصادي، فإنها اليوم تشق طريقها نحو التموضع كدولة ذات نفوذ سياسي متصاعد عالميًا، يتجلى في قدرتها على إدارة ملفات معقّدة مثل سوريا واليمن، والتقريب بين الخصوم الإقليميين، بل والمساهمة في إعادة تشكيل أولويات واشنطن والغرب تجاه المنطقة.
ولي العهد لم يكتف بإصلاح الداخل السعودي سياسيًا واقتصاديًا ضمن رؤية 2030، بل وسّع من طموحات بلاده لتكون بيئة حاضنة للحوار، ومستقرّة في محيطها، ومحورية في حل النزاعات، سواء من خلال احتضان قمم المصالحة، أو تقديم مقاربات جديدة للسلام، أو الانفتاح على دول كانت إلى وقت قريب خارج دائرة التفاعل العربي.
ما يميز هذه المرحلة أن السعودية باتت تمارس دبلوماسيتها بواقعية مدروسة، تتوازن فيها المبادئ مع المصالح. إنها تدرك أن الاستقرار في المنطقة يبدأ من معالجة جذور الأزمات، وأن استدامة التنمية الداخلية تستلزم محيطًا إقليميًا أكثر هدوءًا وتعاونًا.
إن الدور الذي اضطلعت به المملكة في الملف السوري، ونجاحها في التوسط بين واشنطن ودمشق، هو علامة فارقة على تحوّلها إلى قوة تفاوضية وسط نظام دولي يعيد تشكيل نفسه. والأهم، أن هذا التأثير لا يُمارس عبر أدوات القوة التقليدية، بل عبر الشرعية السياسية والثقة المتراكمة والقدرة على المبادرة.
خاتمة: محمد بن سلمان وصناعة الشرق الأوسط الجديد
في ضوء هذه المعطيات، يتأكد أن الأمير محمد بن سلمان لم يعد مجرد ولي عهد للمملكة، بل بات أحد صناع الشرق الأوسط الجديد. فبفضل مبادراته الجريئة، وتحركاته المتزنة، ورؤيته الاستراتيجية، تتشكل ملامح مرحلة مختلفة، عنوانها التعاون بدل التنافس، والانفتاح بدل العزلة، والتأثير الهادئ بدل الخطابات المتشنجة.
إنها لحظة مفصلية في التاريخ العربي الحديث، تقودها عاصمة القرار في الرياض، ويُهندس مسارها رجل استطاع أن يجمع بين شجاعة القرار ورصانة الرؤية: محمد بن سلمان.