قيس سعيد يريد صنع دولة تتغلب فيها قيم الأمة على أسس الدين الإسلامي .
الجريدة العربية.com
قراءة و تحرير : بوحافة العرابي*
أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس قيس سعيد جدلًا كبيرا في تونس ، حيث أوضح أن “الدولة بطبيعتها لا يمكن أن يكون لها دين” ، و أن “الدستور التونسي المقبل لن يذكر بالتالي قيام دولة مع الإسلام كدين ، و لكن العضوية في أمة ( المجتمع ) التي “الإسلام كدين” . و قال قيس سعيد : ” الأمة و الدولة شيئان مختلفان ” ، مضيفًا أنه “يجب على الدولة العمل لتحقيق أهداف الإسلام و الشريعة” .
إعلان فاجأ الكثيرين ممن رأوه في وقت ما قبل صدوق بلعيد رئيس الهيئة المسؤولة عن صياغة مسودة الدستور الجديد التي عرضت على الاستفتاء في 25 يوليو ، و هو نوع من نقطة التحول التاريخية ، و هي إلغاء أي إشارة إلى الإسلام في الميثاق .
و كان بلعيد قد صرح لوكالة فرانس برس في 6 يونيو أنه سيسلم إلى الرئيس مسودة دستور خالية من أي إشارة إلى الإسلام و ذلك من أجل محاربة الأحزاب الإسلامية مثل النهضة . أي إشارات إلى الإسلام و الهوية التونسية ، بحسب بلعيد ، ستختفي من الفصل الأول ليتم تضمينها في ديباجة الميثاق .
من الواضح أنه لم يمض وقتً طويلا حتى ترد حركة النهضة . ففي مذكرة من مكتبها التنفيذي “حذرت على الفور من أي محاولة لتقويض المبادئ الأساسية للشعب أو هويته العربية و الإسلامية أو الطابع المدني للدولة “. فموضوع المناقشة هو المادة الأولى من دستور 2014 ، و هو نفس دستور عام 1959 ، الذي ينص على أن “ تونس دولة حرة و مستقلة و ذات سيادة ، و الإسلام دينها ، و العربية لغتها “.
بغض النظر عن حقيقة أن مضمون الفصل الأول من دستور قيس سعيد الجديد ، فإن قيمة تصريحات بلعيد رمزية و سياسية للغاية ، كما يوضح أنسا فابيو ميرون ، الخبير في الإسلام السياسي ، و الباحث في المركز متعدد التخصصات للبحوث حول أفريقيا و الشرق , في جامعة لافال ، بكيبيك ( كندا ) . بينما يغمز في وجه الحداثيين في البلاد – يتابع ميرون – ، ينتقد رئيس اللجنة المكلفة بكتابة الدستور الجديد العملية الديمقراطية الكاملة لما بعد عام 2011 ، و التي بلغت ذروتها في التسوية الدستورية لعام 2014 ، و التي شهدتها الدولة الإسلامية . فحزب النهضة فاعل سياسي أساسي . و هو رمز التسوية بين الإسلاميين و الحداثيين – في ذلك الوقت الذي كان يمثله حزب نداء تونس – و التي بدونها لن يكون هناك اتفاق ديمقراطي ممكن .
ففرض الحداثة من الأعلى هو الوهم الذي طورته نخبة معينة في البلاد منذ الاستقلال – يؤكد ميرون – لكن معاداة الإسلاموية متجذرة بقوة في جميع أنحاء العالم العربي بما في ذلك التيار الأيديولوجي المسمى القومية العربية . حيث يجب هنا إحداث فرق بين الإسلاموية و الانتماء الديني للمجتمع السياسي . كونك معادٍ للإسلاميين لا يعني أن تكون علمانيًا ، كما يفسر في كثير من الأحيان في وسائل الإعلام الغربية . القومية العربية هي في الواقع تيار أيديولوجي يضع الهوية العربية و الإسلامية في قلب مشروع بناء الأمة . و من هذا المنظور ، يجب قراءة تصريح سعيد ، الذي يمثله مثل ما فعل بورقيبة من قبله ، أن يشرح أن “مهمة الدولة هي تحقيق أهداف ( مقاصد ) الشريعة“. و أن “الدولة جهاز في خدمة الدين و لكنها ليست صاحبته“.
الأمة إذن ، و المجتمع الديني و المدني ، هي حاملة للدولة وهي في خدمتها (بما في ذلك الدينية ) حيث تضع الدولة نفسها كسلطة عليا لا تعلو عليها أي سلطة أخرى , سواء دينية أو مدنية . و يشير مفهوم المقاصد إلى مدرسة فقهية إصلاحية تسمح بتفسير الشريعة الليبرالية و التي يلتزم بها حزب النهضة نفسه . فحزب النهضة الإسلامي – الذي يعارضه قيس سعيد اليوم – كان في الواقع قد دعم الرئيس خلال الحملة الانتخابية لعام 2019 ، على وجه التحديد لأن خطابه كان عروبيًا و أشار عن طيب خاطر إلى أن الإسلام هو هوية الأمة . و يقدم سعيد نفسه على أنه قومي عربي حديث و لكنه راسخ في الهوية الإسلامية التي يمثلها الشعب . فعل كما فعل سلفه جمال عبد الناصر و الحبيب بورقيبة , في لباقة إيديولوجية و سياسية برغماتية تعرف من خلالها من أين تؤكل كتف الشعب .