ذ. سهام لبلول – الجريدة العربية
في الأيام القليلة الأخيرة ، عرفت وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى المغربي حملة شرسة ، قادها مجموعة من الشباب المغاربة ، ضد الزواج من المرأة الموظفة ، هذه الحملة انطلقت مباشرة بعد المباريات الأخيرة لولوج وظائف التعليم ، و التي برز فيها العنصر النسوي بشكل لافت للانتباه ، ما أثار غضبا و سخطا لدى المتبارين من الذكور .
إذا ما عدنا قليلا للوراء ، أي في مرحلة الدراسة الثانوية ، و الجامعية ، و إذا ما قمنا بقليل من الأبحاث في لوائح الناجحين ، في كل الشعب و المستويات التعليمية ، سنجد الإناث قد حصلن على المراتب الأولى مقارنة بالذكور ، و أنهن أثبتن فعلا تفوقهن و نجاحهن المستحق ، و هذا ليس رأيا شخصيا ، إنما هي تقارير إحصائية معدة سلفا .
إذا ، هذه الحملة ضد الزواج من موظفة ، لها إرهاصات قبلية ، لا يمكن القفز عليها ، خلال تناولنا للموضوع . لكن ، سرعان ما تغير شعار الحملة ضد الزواج من الموظفة ، إلى خطاب رمزي ، ذو حمولات أخلاقية ، منضوية على اتهامات ، موجهة للموظفة ، فيها طعن مباشر لشرفها و سلوكها الأخلاقي ، فمنهم من زعم أن الموظفة لقمة سهلة للتحرش و إقامة علاقات جنسية مع مدراءها أو زملائها في العمل ، و منهم من استنكر غيابها لساعات طوال عن البيت في حين أن هذا الوقت هو ملكية للزوج ، و بالتالي هي مجبرة أن تؤدي عنه نقدا من أجرتها لصالح زوجها .
و تعددت ، الآراء و الاقتراحات ، بين من أخذ الموضوع بجدية ، و بشكل شخصي ، و منهم من انخرط في الحملة من باب التسلية فقط ، لكن الأمر لم يخلو من ترويج عدة تهكمات و عبارات غير أخلاقية مسيئة للمرأة العاملة عموما . في حين ، أن الزوجة الموظفة ، تتحمل مشاق العمل خارج البيت و داخله ، إذ تكون هي المسؤولة الوحيدة على نظافته و ترتيبه ، و هي المكلفة بدراسة الأبناء و احتياجاتهم ، كلها خدمات غير مؤدى عنها ، إضافة إلى كونها تساهم في إعالة الأسرة و احتياجاتها من دخلها الخاص .
المؤسف فيما يحدث ، أن من قاموا بشن هذه الحملة ، قد أغفلوا جانبا مهما في مسألة الزواج ، و هو التوافق بين شخصين ، و الود الذي يؤلف بينهما ، بعيدا عن المكانة الاعتبارية لكل منهما ، أو عن أوضاعهما المادية ، و أن الزواج في الأصل مؤسسة اجتماعية تقدم نفسها كمجال يسوده الحب و العاطفة ، يمثل الزوجان فيها سكنا لبعضهما البعض ، و أن رباط الزواج ، هو رباط مقدس ، يعلو على كل الماديات و الحسابات الضيقة .
في الحقيقة ، عندما نرى الأرقام المهولة في أعداد الطلاق السنوات الأخيرة ، فإننا نكشف عن مدى تجرد مؤسسة الزواج من قيم اجتماعية كانت سائدة من قبل في مجتمعاتنا الإسلامية و المغربية على الخصوص ، و هي قيم تلخصت في التضحية و التلاحم ، و التقدير و الاحترام بين الأزواج ، ما ساهم في استمرارية و استقرار الزيجات قديما .
هذا الحادث العرضي ، انتشر صداه كالنار في الهشيم ، و تبوأ حيزا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي ، و لا ندري ما ستسفر عنه الأيام القادمة ، خصوصا و نحن نشهد إقبالا ملحوظا للأجانب على الزواج من مغربيات ، منهم أفارقة و عرب و أوروبيين و حتى آسيويين ، ما سينتج عنه تغيرات اجتماعية أخرى قد نتطرق إليها ، و نقوم بتسليط الضوء على ما ورائياتها ، و انعكاسها على النظام و الثقافة الاجتماعية المغربية في مقالات قادمة .