رواية الأم الصامتة.. للكاتب/ أبو بكر عباس – المحامي
قسم التحرير العربي بجمهورية مصر العربية .
نقد بقلم/ ابوبكرعباس
روايه الام الصامتة
للمؤلف الايطالي تيتسيانو سكاربا
كان المؤلف كغيره من الكتاب والمثقفين مولع بالموسيقى
وموسيقي انطونيو فيفالدي ذلك العبقري الذي كان يؤلف لفتايات دور الايتام فيعزفن اروع الالحان مثل اوركسترا سوليستي فنيني بقيادة المايسترو كلاديو شيموني وفتيات دار اليتيمات
شي اخر يربط تيتسيانو سكاربا بالموسيقار الفينيسي العبقري فيفالدي وعازفاته اليتيمات شي يعود الي طفولته الاولي التي تتوافق مع مجيئة الي هذا العالم في ستينات القرن الماضي كان قسم الولاده بمستشفى فينيسيا الوطني يوجد في الموقع القديم لمستشفى الرحمه وقد ولد في هذا المكان لقد ولد في غرفه ملجا اليتيمات سابقا حيث كان فيفالدي يعلم ويقود تلميذاته ويؤلف لهن عدد لا نهائي من حفلات الكونشرتو والموسيقى المقدسه .كانت تلك المصادفه بمثابه تحذير من القدر وتوثيق لمصدر خيالي وطريقه تفكيره عبر شخصيات مختلفه حيث ان لديه ولدان يحبانه وقد تربى في وسط عائلي ولن يصبح وحيدا دون مساعده احد ولكن حاول التخيل ان يكون وحيدا متروك من الجميع
ليخترق خيالة حاجز صوت موسيقي فيفالدي الرائعه وحجاب صوره اوركستيرا العازفات اليتيمات من وراء الاسياخ الحديديه خلف المايسترو (حجاب بينهم وبين الجمهور)
ليس لجمال ملامحهن ولا لبراعتهن في العزف ليذهب ابعد من ذلك الي اعماق نفس احدي افراد اوركستيرا اليتيمات
سيسل( بطلة الرواية )
عندما تولد النفس البشريه محطمه حطمتها الشهوة والفقر والضعف وقلة الدين وسوء الخلق وتوضع تلك الحطام في سجن الخطيئه محكوم عليها ان تظل بين جدران العار والخزي والنظرة الدونية من المجتمع حتي من احقر البشر اخلاق وافعال وان تؤخذ بذنب غيرها ظلما بذنب تلك الام المستهتره التي حملت سفاحا واتت بهذه الرضيعة سيسيل والقت بها في جحيم هذه الحياه المستعر بين اليتم والذل بين الخوف والوحده والالم والحيرة التي لا تنتهي
وتسأل نفسها تري ابنه من اكون ابنه حلال ام إبنه حرام ذلك السؤال المحير لإبناء دور الايتام ..
والبحث عن تلك الام القاسيه التي القت بابنتها في سجن العار ومرارته وصندوق الوحده وما ينتجه من انكسار وضعف وحزن وظلام لا ضوء يهدي فيه ولا نهاية لحيرتها ولا حد لهذا الضيااااااااااااااع ورغم ذلك كله إلا ان هذه الابنه تحن لإمها وتكتب اليها كل يوم رسالة تشكو اليها مرالحياه والحزن والخوف والوحده والحيره والضياع وتلومها وتستجديها وتؤنبها وتتشاجر معها وتقول لها كل ما يختلج في نفسها من لوم وعتاب وحنين وتوبيخ ونقمه وحنق وغضب وتشكو اليها انه رغم انها لم تراها الا انها تحبها !! كيف وانها قد رآتها طفله صغيره جميله بريئه لماذا لم تحبها..؟ لماذا لم ترحمها..؟ وتنهار بين يدي صمتها المطبق الذي لا يجيب علي رسائل هذه الطفله الرقيقة التي ألقتها في البرد والظلام بمنتهى القسوه ولم تفكر في مصيرها أتاكلها الذئاب ام الكلاب ام ماذا يحدث لها اتصير خادمه ام فتاة لليل وتقول سيسيل في كتابتها (تختلق لها الاعذار لتخفف من وطئة الحزن والكراهية )ربما كانت مضطره لذلك ربما كانت حنونه ولكن لديها ابناء كثير ولم تستطع تربيني وتنفق علي فجأت بي الى هنا لكي يربوني ولا اموت جوعا وابتسامه رجاء وسط الدموع (نعم كانت تحبني وارادت ان تحميني) ثم عندما اكبر وتتحسن ظروفها الاقتصاديه تعود و تاخذني الى المنزل و تتمنى ان يكون لها اخوه ووقت اخر توبخها وتقول انها خاطئه ضعيفه انانيه من اجل متعة ساعة القتني في جحيم مدي الحياة ليس لديها اخلاق او شرف وانها تكرهها ولا تريد ان تراها ويبدو ان اجمل فتره مرت عليها وهي طفله صغيره في دار اليتيمات عندما لم تكن تعلم انه هناك امهات في هذا العالم ولم تكن تعلم بالحقيقه المره وعندما كبرت كبر معها الحزن وكرهت الحقيقه التي صدمتها وكرهت امها التي تسمعها ولا تجيب ولكن كان عزائها الوحيد انها موجوده وتسمعها موجوده في داخلها في خيالها او في مكان اخر وانها ليست وحيده في هذا العالم الذي كانت حدوده دار اليتيمات والكنيسة والجداول والحقول المحيطه بها والموسيقي التي تتعلمها اليتيمات في الدار والالات الموسيقية التي تخرج مكنون النفس في نغمات حزينة ومنكسرة كالبنات اليتيمات ثم تتجاسر حين وتعيش حياتها بكبرياء وعناد وغضب من تلك الام القاسية المذنبة سبب هذه العذابات وتكتب لها رساله اولها تحدي واوسطها توبيخ واخرها انهيار ممزوج بدموع الرجاء
ان تكون موجوده وان تكون شريفه دفعها الفقر لفعل ذلك وان تكون حنونه ستأتي لتأخذها وتضمها في حنان يرمم حطام تلك النفس المنكسره ويلملم ما بعثرته الايام ويبث في روحها المظلمة النور والسعاده والامل من جديد
جعل المؤلف البطولة مناصفه بطولة ايجابية لسيسيل وبطولة سلبيه للام الصامته واستخدم الارق وسيلة للتعبير عن مدي الهم والحيره معا عندما تقوم طفلة يتيمة في منتصف الليل وتاخذ اوراقها وقلمها وهي تسير في الظلام وتجلس في مكان بعيد عن اعين ومسامع زميلاتها و القائمين علي الدار لتفضي بمكنون نفسها للقلم للاوراق للام الغير موجودة ولكنها تظل اجمل امنيه لتلك الفتاه والدافع للحياه والباعث علي الاستمرار في هذه المأساة استخدم التكثيف بالافكار والمشاعر وحديث النفس والامنيات ليسلط الضوء علي حياة نوع من البشر خرج من سجن الرحم وظلامه الي سجن الحياة وتعاستها الخوف والقلق والحزن والشعور بالدونية والحيره والضياع ورغم هدوء حياة البطلة سيسيل في دار اليتيمات الا انها تصارع امواج الافكار والامنيات والواقع الحزين ولا تفكر الا في الماضي ليلة تركها علي باب الدار
وتتمني ان يكون لها ام في صراع عنيف بين الامنيات السعيدة والواقع الحزين وحديث دائم بينها وبين سبب وجودها في هذه الحياه شكوى وعتاب وتقريع واستعطاف وتودد وعندما لا تجيب تتذكر فضل ادارة الدار عليها من كفالتها وتربيتها والاعتناء بها وتشعر بان حنينها لإمها التي لم تفعل لها شئ خيانه لاصحاب الفضل في تربيتها وتعليمها العزف والموسيقي وتشعر بالجحود والندم علي كتابة تلك الرسائل للام الصامته التي لم تجيب ولن تجيب علي تلك الرسائل الا انها لا مفر من كتابتها . وتبلغ الفكرة ذروتها عندما يتعقد المشهد بين الام والموسيقي والافكار والمشاعر وتداخل الحاضر مع الذكريات تداخل الواقع مع الامنيات ولكن جوهر الامر هو الخيال الذي جعل المؤلف ينسج هذه الروايه حيث انه كان يستمع لكنشرتوا لمؤلف موسيقي كبير كان يدرب اليتيمات في دور الايتام وكانت الاوركسترا جميعها من بنات دار الايتام وكان مغرم جدا بتلك الموسيقي وهذا الموسيقار العبقري
ولكن المؤلف تجاوز الانغام الجميلة والالحان العبقرية والاسياخ الحديدية ويخترق اعماق الاحداث وياتي منها بهذه الرواية التي تحكي قصة احد فتايات الاوركسترا ولكن بعيدا عن مستوها في العزف او جمال ملامحها ليغوص في اعماق هذه النفس الغضة ويصورلنا بركان داخل طفلة صغيره بركان من المشاعر السلبية والافكار القاسية والاسئلة الحائرة والتوسلات التي لا سميع ليها ولا مجيب والالام التي لا يشفيها ادوية العالم .اجاد وابدع وتألق ذلك الكاتب المولع بموسيقي موسيقار معين ليبحث فيما وراء الانغام ليصل الي اعماق النفس البشرية وكيف يغزل ثوب انيق من التفاصيل من الاحاديث والاحداث من المشاعر والافكار من حديث النفس وحوار الاخرين من عذابات يعيشها كل يتيم ويعيش اكثر منها من لا يدري من ابويه ناهيك عن العار الذي يلاحقه طوال العمر جراء نزوة ام او متعه اثمه او لحظه طيش هكذا تسلط الروايه الضوء علي عواقب الانحلال الاخلاقي وخطورته علي المجتمع وعلي ثمره هذه الخطيئة التي هي في المقام الاول ضحية لا حول لها ولاقوة
دون ادني ذنب و ليس من العدل والانصاف اخذ الناس بذنوب ابائهم وامهاتهم ولربما ام فاسدة تخرج من بطنها ابناء صالحين
ويبرز الكاتب ايضا دور ملاجئ الايتام ودور الرعاية وما تتحمله من عبء في سبيل تربية وتأهيل ودمج هؤلاء الاطفال في المجتمع بعد تربيتهم تربية راقيه من تعليم وموسيقي حتي تسمو انفسهم وترتقي ولكن هيهات يظل غدر الاهل جرح غااااار واليتم المصطنع من تخلي الام عن مولودها دون ادني مبالاه بمصيرها ليقرع الكاتب ناقوص الخطر لكل شابه في مرحلة المراهقة ان احفظي نفسك ولا تكوني سبب في تعاسة ابنائك وكيف يكون مصير الابناء غير الشرعين
الام الصامته
هي رمز للامال التي نتمنها
هي رمز للمنقذ من الحزن
هي رمز للوحه التي نرسم
عليها احزاننا بشكونا ومناجاتنا
فترسم كل هذه الهموم والشكوي
وجه الام الصامته التي تسمع ولا تسمع
وان سمعت لا تجيب بل انها غير موجوده
من الاساس الا في خيالنا الاهث وراء النجاه
من الهموم والاحزان الباحث عن منقذ له من الضياااااع
يمنحه الطمأنينه والسلام ويهبه السعادة
كيف ذلك كله وان تكون الام هي نفسها سبب
التعاسه والشقاء ورمز للقسوة والجحود
نعم الام الداء والدواء
وابدع الكاتب حين جسد دور المرأة الكبير
بانها الدواء والداء الرحمه والعذاب
كل هذه الافكار والمشاعر والمواقف والاحداث والشخوص وليدة خيال المؤلف الذي كان يحب موسيقي مدرب اليتيمات الموسيقار العبقري
فتعدي الموسيقار والالحان والانغام والسياج الحديدي الذي تعزف من خلفه الاوركسترا (مجموعه اليتيمات ) ليبدع هذه القصه ويجعل من البطلة الصغيره سيسيل ايقونه للانسانيه المعذبة بذنوب الاخرين وضحيه فساد الاخلاق او الفقر وفريسه لوحش اليتم الذي يجعل الانسان مسخ موتور وحاقد وناقم علي المجتمع يصبح جلاد ينتقم من الجميع ان اتيحت له الفرصه ان لم تكن له عقيده سليمه تحميه وايمان يطمأن قلبه ويهدي تلك الروح الحائره والنفس المضطربه .
وتظل البطلة تصارع امواج الافكار وتتأرجح بين اليأس والرجاء
وتكتب وتكتب للام الصامته وفي الحقيقة هي تكتب لنفسها وتطمأن ذاتها القلقه وتدفع عنها الجنون بكل الوسائل جراء ذلك الظلم الذي وقع عليها دون ادني ذنب من اقرب الناس اليها من امها مصدر الحنان والعطف بالنسبة للجميع وتنسج الافكار والاحلام ثوب حالك السواد من المعاناه والبؤس والشقاء لتعرف الفتاه الصغيره الارق قبل ان تعرف اللهو واللعب مثل اقرانها خارج تلك الدار
عواقب الخطيئة
من معاناه الطفل
وظلم الغير ونظره الناس
وحياه البؤس والضياع
الام هي الدواء والداء
الموسيقي تترجم المشاعر وتعبر عن الافكار
الخيال نعمة كبيره تحمي من الاكتئاب والجنون
و يهب الانسان الاتزان والسلام الداخلي
ويحقق ما نعجز عن تحقيقه في الواقع
وآله لصنع الابداع والجمال تدمج الافكار والمشاعر
لتخرجها فن هادف يهذب النفس ويغذي الروح ويثري العقل
ويعاجل المشكلات ويقوم المجتمع اذا انحرف ويلفت نظر الجميع الي مواطن الخطر ومصادر الالم والحزن
الام الصامته هي عبارة عن ورقه بيضاء نرسم عليها معاناتنا واحزاننا لتخرج صوره ل ام صامته قليلة الحيلة ضعيفه وعاجزه تسمع ولا تستطيع حتي ان تجيب انها الروح القابعه في اعماق الذات
نقد أدبي
بقلم الكاتب / أبوبكرعباس
رواية الام الصامتة