أعمدة الرأي

رسالة صاحبة الجلالة …

بقلم الأستاذ إدريس زياد .

أعمدة الرأي : الأستاذ إدريس زياد .

عرفت المجتمعات عبر تاريخها وسائل إعلام مختلفة، وفي عصرنا وصلنا إلى ثورة غير مسبوقة في وسائل الإعلام بفضل التكنولوجيا الحديثة، وابتكار وسائل الإعلام أصلاً هدفه إيصال أفكار أو معلومات أو شرح مواقف أو حشد تأييد في زمن الحروب و الانتخابات ، فالإعلام إذن وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ولكن هناك من أصبح الإعلام غايته ومبتغاه للظهور وتعمد الإثارة المصطنعة، وهذا من سلبيات إعلام الزمن الحاضر.

فالإعلامي الذي يؤمن أن الإعلام رسالة (صاحبة الجلالة) لا يتورط في نقيض رسالته، ويفرق بين تغطية الحدث وتبني صانعه، ولا يغض الطرف عن التفريق بين التغطية العمياء والتغطية المبصرة، وذلك لأن الإعلامي المؤمن برسالته يظل موضع ثقة المتابعين، وهناك خطوط تفرض عليه الحذر الشديد في تقديم الأشخاص وتغطية دورهم في الأحداث حتى لا يتورط في تعظيم وتكريم من لا يستحق، فثمة من يدسون أنفسهم في لجة حدث ما لتغيير صورة لهم يحفظها الناس ويكرهونها…

في مواقع كثيرة إعلاميون حكماء مبصرون لا يخدعهم شخص و لا يستخفهم موقف، وآخرون يقدمون السبق الصحفي أو المشاركة في الزفة على جوهر رسالتهم، ومع إيماني بحيادية الإعلام وارتفاع سقف السلطة الرابعة إلا أن ذلك لا يعني مطلقاً التورط في تزوير الحقيقة، فما أندر أن يجتمع في الإعلامي، الإيمان بالرسالة، والحياد، والوعي، فبعض المنابر الإعلامية تتبنى هموم الكادحين والمقهورين ومن لا منبر لهم وهي أقرب للمواطن وتطلعاته، وتسعى لترسيخ قيم حرية الرأي والمعرفة، ولا يمكن لأحد أن ينكر القفزة التي حققتها هذه المنابر على مستوى الإعلام الوطني وحتى الدولي…

إقرأ لنفس الكاتب : ” الفايسبوك منصة تعبير ومتنفس لمشاعر الناس “

انظروا على سبيل المثال الفرق بين المواقع الجادة وما تعرضه من محتوى هام وهادف يساهم في تنوير عقول الشعب وتفتيح مداركه، مقابل ما تعرضه أغلبها من مواضيع فارغة المضمون عدا الصراعات الجوفاء وأخبار التفاهة لبعض المحسوبين على الفن العفن مع أن ميزانيتها السنوية قد تصل إلى ملايين الدراهم، الإعلام يجب أن يمثل الشعوب بجميع مكوناتها وألوانها الفكرية، فلماذا لا تعطي هذه الفضائيات مساحة للصحافة المعارضة للتعبير عن آرائها التي توافق الأغلبية داخل المجتمعات؟ أعرف تماماً أن هذا الكلام قد يعتبره البعض نظرياً أو مثالياً ولكن ليس أقل من أن تعرف الناس حقوقها، لقد أصبحت وظيفة الإعلام في المجتمعات المقهورة هي تزويق الواقع بالوهم وزخرفته بالخيال السقيم…

عندما يصبح الإعلامي مجرد منافق، وعندما لا يضيف الإعلام أي جديد للناس لا يكشف فاسداً ولا يُقيل وزيراً، وعندما لا توجد منظومة تحمي الإعلامي من الاعتقال والملاحقة، وعندما تغيب النقابة عن دورها الحقيقي، عندها لن يلتفت الناس لإغلاق جريدة هنا أو منبر هناك، ولن يهتموا بعدم صدور الصحيفة، ولن يبالوا لتسريح طاقمها، أعتقد أن الإعلام الكاذب المأجور أنشأ اليوم مدرسة جديدة في الدجل والإرهاب الفكري، وهؤلاء الفاسدين شهود الزور يجب محاسبتهم ومحاربتهم بإعلام مضاد يفضح زيفهم وتزويرهم للحقائق، يمكن للإعلام المجرم أن يقتل شخصاً بمفرده ويغطي معالم الجريمة، لكن الإعلام الكاذب المضلل يمكنه أن يقتل أمة بكاملها ويطمس الحقيقة ويبرئ القاتل ويجرم البريء ويشوه الواقع، هذا الإعلام المأجور البعيد عن المهنية والحرفية والمجرد من كل المبادئ والغير المكترث لكل المواثيق والقوانين الدولية المنظمة لمهنة الصحافة والإعلام، وهو أقرب كذلك للاستبداد فكرياً وسياسياً واجتماعياً لأنه ناطق بلسان الحكومات المستبدة وضد قضايا الشعب ويسعى لترسيخ الرعب والتخويف، وهو إعلام بعيد كل البعد عن المهنية والحرفية…

لا يمكن معالجة القصور الإعلامي في الأداء الثقافي والسياسي وما تزال القطاعات الثقافية والسياسية تعاني أكثر من غيرها من القطاعات في مسألة ضبط التصريحات والظهور الإعلامي، رغم وجود أجهزة إعلامية وخبراء محترفين لديها، فهناك خلط حقيقي بين مفاهيم التوثيق والنشر التي باتت اليوم أقرب إلى السكرتارية الإعلامية وبين الدور الإعلامي المعني بتسجيل الحضور الثقافي والسياسي لدى الجمهور المستهدف، وهناك مشكلة حقيقية في تقريب الجهاز الإعلامي من الجهازين الثقافي والسياسي والقناعة العملية بأن أدوراهما متصلة متكاملة، إن تقريب الجهاز الإعلامي من الجهازين الثقافي والسياسي لا يعني وجود مسؤول إعلامي مع المثقفين والسياسيين بل وجود أدلة عمل إعلامية جاهزة للتفعيل التلقائي عند إرادة إعلان أي موقف أو قرار، وتشغيل أدلة العمل يتطلب وجود سكرتارية تنفيذية مرافقة للجهازين الثقافي والسياسي تعمل تحت إشراف فني من الجهاز الإعلامي وطاقم الخبراء فيه، ينبغي اتخاذ قرار أعلى مُلزِم يفرض وجود تنسيق إعلامي لكل ظهور ثقافي أو سياسي عام في وسائل الإعلام أو مخاطبة الجماهير…

أعمدة الرأي : فكر محرري و صحفيي الجريدة .

في المغرب هناك صروحاً إنسانية ومدارس فكرية وعلماء أجلاء ومراجع علمية في اللغة والشريعة والفلسفة والطب والسياسة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، لكن النتيجة المؤكدة هو أن المبدع في هذه البلاد لا ينال حظه من المساحة الإعلامية، ما يجعل القول ممكناً بأن المغرب مقبرة العلماء حقيقة لا مجازاً، لأن المسؤولين القائمين على شؤون هذا المجال في هذا البلد العظيم أهله، ينهجون سياسة إسكات صوت الحق من العلماء والفقهاء والمفكرين والسياسيين الجادين، وهذا يعتبر بمثابة حرب على التربية والتعليم الوجيه، وهو أمر لم ولن يأتي بخير، فما قيمة القلم في يد مزور منافق، والسيف في يد رعديد جبان، والمال في يد بخيل مَنوع…

عند الحديث عن الموضوعية النسبية في الإعلام يضرب المثل بالإعلام البريطاني الذي أصبح مدرسة عالمية تدرس في كليات الإعلام، واليوم الإعلام العربي وحتى الغربي يضع بصمته في عالم الصحافة حيث أصبح مدرسة ومضرباً للأمثال في الإعلام الكاذب المضلل الذي يقلب الحقائق بشكل لا يصدق، بل تفوق بعضه على مسيلمة الكذاب.

بقلم الأستاذ إدريس زياد .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....