
الجريدة العربية – المصطفى قبلاني
في إطار سلسلة التحقيقات الاستقصائية التي دأبت الجريدة العربية على إنجازها تحت عنوان “الملف الأحمر“، والتي شملت عددًا من المدن والمناطق المغربية، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، نحط اليوم الرحال بمدينة خريبكة، وتحديدًا بحي الخوادرية، حيث نفتح أولى حلقات هذا الملف الذي يكشف تجاوزًا خطيرًا يمس السلامة الصحية للساكنة.
حلقتنا الأولى من الملف الأحمر تضع تحت المجهر قضية اللاقط الهوائي المركب في ظروف غامضة وغير مفهومة، وسط صمت إداري يطرح أكثر من علامة استفهام. أما الحلقة الثانية، فستكون مدعّمة بوثائق رسمية وشهادات من الساكنة المتضررة، بهدف التمحيص وتقديم الصورة كاملة للرأي العام.
ليكن في علم العامة و الخاصة: رسالتنا واضحة: مغرب قوي، مغرب متطور، مغرب المؤسسات والإدارة ، برجاله ونسائه الأوفياء تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده. نحن خدام الأعتاب الشريفة وخدام الدولة المغربية ، لا ننتصر إلا للحق، ونؤمن بدولة القانون والمؤسسات.
الحلقة الأولى من الملف الأحمر لمدينة خريبكة : اللاقط الهوائي لحي الخوادرية
وسط استغراب وقلق كبيرين، تفجّر مؤخراً بحي الخوادرية بمدينة خريبكة جدل واسع حول تركيب لاقط هوائي (ريزو) تابع لإحدى شركات الاتصالات، فوق سطح بناية سكنية تحتوي في طابقها الأرضي على مقهى يرتاده المئات من المواطنين يومياً. الأمر الذي اعتبرته الساكنة المحيطة انتهاكاً صارخاً لحقهم في بيئة سليمة، وتجاهلاً واضحاً لسلامتهم الجسدية والنفسية.
بحسب ما توصلت به الجريدة العربية من تقارير ووثائق وشهادات حصرية لعدد من سكان الحي، فإن عملية تركيب اللاقط تمت في ساعات متأخرة من الليل، وتحديداً في حدود الثالثة صباحاً، في غياب تام لأي إشعار سابق أو تشاور مع الساكنة. علماً أن اللاقط لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مساكن مأهولة وعن مؤسسات يرتادها الجمهور بشكل يومي. يقول أحد القاطنين، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: “استيقظنا فوجدناهم يركبون الريزو ليلاً.. هل أصبحنا في دولة بلا قانون؟“.
الساكنة لم تصمت. فقد تم توجيه شكايات وعرائض متكررة إلى السلطات المحلية، من باشوية المدينة إلى القائد الإداري وأعوان السلطة، دون أن تجد آذاناً صاغية، وفق ما توصلت إليه الجريدة. مصادر محلية أفادت أن الشكاوى قوبلت بتجاهل غريب، ما فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات مشروعة حول من يقف خلف هذا “العبث الصحي” الذي يهدد أرواح المواطنين.
وفق القانون رقم 12.03 المتعلق بالدراسات البيئية، فإن إقامة تجهيزات تقنية حساسة في محيط سكني يستوجب دراسة التأثير البيئي (EIE)، وهي وثيقة أساسية لتقييم آثار أي مشروع على صحة السكان والسلامة العامة. كما أن الفصل 31 من الدستور المغربي ينص بوضوح على حق المواطنين في بيئة سليمة. لكن، هل تم احترام هذه المقتضيات القانونية في حالة حي الخوادرية؟ من الذي سمح بتركيب اللاقط؟ هل هناك ترخيص صادر عن مصالح التعمير؟ لماذا لم تتحرك السلطات المحلية رغم احتجاجات الساكنة؟ كلها أسئلة تطرح نفسها بإلحاح، ولا تجد إلى اليوم أي جواب شافٍ.
الغريب في الأمر، حسب ما أكدته مصادرنا، أن القائد المحلي وأعوانه لم يتدخلوا لوقف الأشغال، بل إن جهات من الساكنة ربطت الاتصال بهم بشكل مباشر قبل وبعد التركيب، دون أي رد فعل. فهل تعمدت السلطة تجاهل هذا الملف؟ وهل أصبحت صحة المواطن أقل من أولوية شركات الاتصالات؟
الجريدة العربية تواصلت مع عدد من المواطنين الذين أجمعوا على المطالبة العاجلة بإزالة هذا اللاقط الهوائي الذي وصفوه بالقنبلة الموقوتة. “لا نطلب المستحيل.. فقط أن نعيش بكرامة، بدون تهديدات صحية تطل علينا من فوق رؤوسنا“، يقول أحد المتضررين. آخرون اعتبروا أن هذا الملف يرقى إلى جريمة صامتة، مطالبين بفتح تحقيق شفاف ونزيه، وتحميل المسؤوليات لكل جهة تقاعست عن حماية الساكنة.
بالإضافة إلى ذلك، علمت الجريدة العربية من مصادر موثوقة أن ساكنة حي الخوادرية قد راسلت العامل الجديد لإقليم خريبكة، السيد هشام العلوي المدغري، في مراسلة رسمية تتوفر الجريدة على نسخة منها مرفقة بتوقيعات المتضررين، تطالب بتدخله العاجل لفتح تحقيق معمق في ظروف وملابسات تركيب اللاقط الهوائي، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإزالته حمايةً لسلامة وصحة المواطنين. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس المجلس الجماعي السابق كان قد أصدر قرارًا إداريًا واضحًا بمنع إقامة أي لاقط هوائي جديد في هذه المنطقة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول خلفيات الترخيص الحالي ومدى احترامه للقرارات السابقة وللقانون الجاري به العمل.
تدعو الجريدة العربية وزارتي الداخلية والصحة إلى التدخل الفوري في هذا الملف الذي يمس بحقوق المواطنين الأساسية، وفتح تحقيق معمق في حيثيات الترخيص، إن وجد، ومطابقته للمقتضيات القانونية المعمول بها، إضافة إلى الوقوف عند مسؤولية السلطات المحلية التي التزمت الصمت رغم الخطر الصحي المحدق.
سنظل في الجريدة العربية نتابع هذا الملف ونرفع صوت الساكنة، حتى إزالة هذا اللاقط الهوائي، ومحاسبة المتورطين في هذا التجاوز الفاضح.