الجريدة العربية -الرباط
كشفت تسريبات CNSS عن واقع مرير يعيشه الصحفيون في المغرب، حيث سلطت الضوء على التفاوتات الكبيرة في الأجور، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تنخر استقلالية المهنة. هذه التسريبات لم تكن مجرد أرقام، بل فضحت واقعًا مليئًا بالتناقضات، حيث يتقاضى البعض أجورًا زهيدة لا تتناسب مع حجم العمل، بينما يحصل آخرون على رواتب مرتفعة دون تقديم أي قيمة مهنية تُذكر.
الصحفيون في المغرب يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها الأجور التي لا تتجاوز في كثير من الأحيان 7000 درهم شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات الحياة اليومية، فضلًا عن دعم استقلالية الصحفي في مواجهة الضغوط المهنية. في المقابل، كشفت التسريبات عن وجود “حيتان كبرى” تتقاضى رواتب ضخمة دون تقديم أي مساهمة حقيقية في الإعلام أو الخدمة العمومية، مما يثير تساؤلات حول معايير توزيع الأجور في القطاع.
ما يزيد من حدة الأزمة هو التفاوتات داخل الجسم الصحفي نفسه، حيث يحصل البعض على رواتب مرتفعة رغم عدم إنجازهم لأي مهام صحفية تُذكر، بينما يُجبر آخرون على العمل بأقل تعويض ممكن. هذه الفجوة لا تعكس فقط أزمة اقتصادية، بل تكشف عن أزمة أخلاقية ومهنية تهدد مستقبل الصحافة في المغرب.
التسريبات كشفت أيضًا عن ممارسات غير قانونية، حيث يتم التصريح لبعض الصحفيين بأجور لا يتقاضونها فعليًا، فقط لتتمكن المقاولات من الحصول على الدعم أو البطائق المهنية. هذه الممارسات تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الصحفيين، وتساهم في تفاقم أزمة الثقة بين العاملين في القطاع والمؤسسات الإعلامية.
هذه التسريبات تمثل نقطة تحول في تاريخ الصحافة المغربية، حيث كشفت عن واقع لا يمكن تجاهله أو القفز عليه. اليوم، أصبح من الضروري فتح نقاش جدي حول تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للصحفيين، وضمان توزيع عادل للأجور بناءً على الكفاءة والمساهمة المهنية.
إن الصحافة المغربية بحاجة إلى إصلاح جذري يعيد لها مكانتها كسلطة رابعة مستقلة. تحسين الأجور، ضمان حقوق الصحفيين، ومحاسبة المسؤولين عن التفاوتات غير المبررة، هي خطوات أساسية لتحقيق هذا الهدف. لأن استقلالية الصحفي تبدأ من ضمان كرامته الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يجب أن يكون أولوية في المرحلة القادمة.