
العالم يترقب … ومطران من أصول مغربية يعلن عن انتخاب البابا الجديد
الجريدة العربية – مراسلة من فيرونا (إيطاليا)
تحوّلت لحظة صدور “الدخان الأبيض” من مدخنة كنيسة السيستين إلى خبر عاجل اجتاح أبرز وسائل الإعلام العالمية، من سي إن إن إلى بي بي سي ونيويورك تايمز، مرورًا بالصحف الأوروبية الكبرى مثل الغارديان ولو فيغارو وإلباييس. الجميع سارع لنقل هذا الحدث التاريخي الذي يُجسّد انتخاب قائد جديد للكنيسة الكاثوليكية، بينما دقّت أجراس كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، وتجمّع الآلاف من المؤمنين والحجاج في ساحة القديس بطرس، يهتفون ويصفقون، في مشهد يتكرر منذ قرون.
وسائل الإعلام الدولية، من وكالة تاس الروسية إلى الأناضول التركية ووكالة تاب التونسية، وحتى إذاعة الجزيرة، خصصت تغطيات فورية للحظة خروج “الدخان الأبيض”، الذي يُعلن للعالم أن مجمع الكرادلة قد حسم أمره وانتخب بابا جديدًا. من أمريكا اللاتينية أيضًا، حيث المشاعر الدينية حية وقوية، افتتحت الصحف الأرجنتينية والشيليّة صفحاتها بصيحة “Habemus Papam” – أي “لدينا بابا”.
ومن بين الوجوه البارزة التي ارتبطت بهذه اللحظة التاريخية، يبرز اسم الكاردينال دومينيك مامبرتي، الرجل الذي أعلن للعالم انتخاب البابا الجديد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس. ما يميّز هذا الكاردينال، إلى جانب مكانته الكنسية، أنه من مواليد مدينة الرباط المغربية عام 1952، قبل أن ينتقل في شبابه إلى كورسيكا الفرنسية.
مامبرتي يشغل حاليًا منصب رئيس المحكمة العليا للفاتيكان، المعروفة باسم “محكمة التوقيع الرسولي”، وهو أعلى سلطة قضائية في الكنيسة الكاثوليكية. ورغم كونه قانونيًا متخصّصًا في القانون الكنسي، فإن مسيرته المهنية اتسمت بطابع دبلوماسي قوي، خصوصًا في إفريقيا. وقد عمل سابقًا ممثلًا دبلوماسيًا للفاتيكان في كل من الجزائر، تشيلي، السودان، الصومال، إريتريا، وفي بعثة الكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
تلقى مامبرتي تعليمه القانوني في ستراسبورغ وباريس، ثم تخرّج في القانون الكنسي من الجامعة الغريغورية في روما. في عام 2006، عيّنه البابا بنديكت السادس عشر أمينًا للعلاقات مع الدول، حيث أشرف على إبرام اتفاقيات دولية تنظّم العلاقات القانونية للكنيسة، إضافة إلى دعم التعليم الديني في عدد من الدول.
لكن في عام 2014، غيّر البابا فرنسيس مساره نحو المجال القضائي، وعينه رئيسًا لمحكمة التوقيع الرسولي، وفي العام التالي رقّاه إلى رتبة كاردينال. وفي عام 2023، أصبح مامبرتي الكاردينال البروتو-شماس، وهو المنصب الذي يُخوّله إعلان انتخاب البابا الجديد رسميًا.
يُعرف الكاردينال مامبرتي في الفاتيكان بأنه أحد أكثر الشخصيات توازنًا واحترافية في القانون الكنسي والدبلوماسية الدولية، خصوصًا فيما يتعلّق بقضايا أمريكا اللاتينية، الأمم المتحدة، إفريقيا، الشرق الأوسط، والعلاقات مع العالم الإسلامي. وهو يحمل رؤية حقوقية قائمة على كرامة الإنسان والطبيعة البشرية، مستندًا في ذلك إلى القانون الطبيعي. كما يدافع بقوة عن حرية الدين والحقوق الأساسية، وفي حوار سابق مع إذاعة الفاتيكان سنة 2013، شدّد على أهمية حماية حرية الضمير، حتى في الحالات المثيرة للجدل مثل رفض تقديم خدمات للمثليين من قبل أرباب عمل مسيحيين، مؤكدًا في الوقت ذاته رفضه لموجات العلمنة المتسارعة.
انتخاب البابا الجديد وظهور الكاردينال مامبرتي في واجهة المشهد الكنسي يسلّطان الضوء على حضور مغربيٍ رمزيٍ في مفاصل القرار الديني العالمي. وإذا كان “الدخان الأبيض” قد أعلن عن بداية عهد كنسي جديد، فإن ملامحه ستكون بلا شك مرسومة بأيادٍ تملك خبرة القانون والدبلوماسية… ومن بينها يدٌ وُلدت ذات يوم في العاصمة المغربية الرباط.