
الأكاديمي و المؤرخ “الطيب بياض” في ضيافة قنصلية فيرونا : وثيقة المطالبة بالاستقلال، مرجعية تاريخية وحافز للتميز في مسيرة المغرب الحديث.
الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *

في إطار مواكبة الأحداث الوطنية، واحتفاءً بالذكرى الحادية والثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، نظمت القنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينة فيرونا مائدة مستديرة تحت شعار “وثيقة المطالبة بالاستقلال مرجع تاريخي مهم وحافز لجميع المغاربة للالتزام الفعلي بالانخراط في مسيرة التميز التي ينهجها المغرب بقيادة عاهل البلاد”. و قد عرف هذا الحدث مشاركة مكثفة لمكونات النسيخ الجمعوي الناشط في جهة التريفينطو بشِقَّيْهِ المدني و الديني ناهيك عن مشاركة فعاليات و أطر أكاديمية و حقوقية من خارج دائرة النفوذ القنصلي مما جعل هذا الجمع يتجاوز حدود الجهوية و أضفى عليه طابع الحدث الوطني . حيث استمتع الحضور بمحاضرة علمية تاريخية وأكاديمية قيّمة، ألقاها الدكتور الطيب بياض، الباحث والمؤرخ، والأستاذ المحاضر بشعبة التاريخ المعاصر والراهن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان.
وتشرفت الجالية المغربية المقيمة بجهة التريفينيتو، بحضور الدكتور بياض، الذي يُعتبر من أبرز الأصوات الأكاديمية في مجال التاريخ المغربي المعاصر، والذي قدم تحليلاً عميقاً لدلالات وثيقة المطالبة بالاستقلال، مشيراً إلى أنها لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت لحظة تأسيسية في بناء الدولة المغربية الحديثة.
كلمة القنصل العام: استحضار الماضي واستشراف المستقبل
و أسْتُهِلَّتْ هاته الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم شَنَّفَ بها مسامع الحضور الكريم القارئ و الحافظ الفقيه سيدي عبد المطلب الحديدي . تلتها وصلة تعارف بين المشاركين عبر أخد كلمة مقتضبة كل على حدة .
وفي كلمتها الافتتاحية، تناولت السيدة وفاء الزاهي، القنصل العام للمملكة المغربية بفيرونا، تاريخ تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، مشيرة إلى أن هذا الحدث يمثل نقطة تحول في مسيرة النضال الوطني من أجل الحرية والكرامة. كما تطرقت إلى الإصلاحات الكبرى التي شهدتها المملكة، خاصة في الأقاليم الجنوبية، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يواصل مسيرة التحديث والتنمية الشاملة.
وأبرزت السيدة القنصل الجهود التي بذلتها القنصلية خلال العام المنصرم، حيث نظمت خمس قنصليات متنقلة في جهة التريفينيتو، مما مكّن أُلُوفَاََ من المواطنين المغاربة من قضاء مصالحهم الإدارية بسهولة ويسر. كما أكدت على تعزيز العلاقات مع السلطات الإيطالية والمجتمع المدني، مشيرة إلى أن مؤتمر مدينة ترينتو كان أحد أبرز اللقاءات الدبلوماسية التي نظمتها القنصلية، مما يعكس الدور الفاعل للمغرب في تعزيز الحوار الثقافي والدبلوماسي.
مقاربة تاريخية لنضال المغاربة من الإصلاح إلى الاستقلال
وفي محاضرته المتميزة، طرح الدكتور الطيب بياض سؤالًا جوهريًا: “هل ذكرى 11 يناير مجرد يوم عطلة، أم ينبغي أن نصوغ المصطلح في سياقه التاريخي ونحييه كحدث محوري في الذاكرة الوطنية؟”. وانطلاقًا من هذا التساؤل، استعرض المُحاضر التحولات التي شهدها النضال المغربي ضد الاستعمار الفرنسي، حيث انتقل المغاربة من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال في نضج سياسي يبرز البراغماتية التي ميزت الكتلة الوطنية المطالبة بالتحرر .
وأوضح الدكتور بياض السياق التاريخي الذي أُنْتِجَتْ فيه وثيقة المطالبة بالاستقلال، مشيراً إلى أن المغرب انتقل من مرحلة إلى أخرى ، ما يعكس الإدراك السياسي والفكري لدى النخبة المغربية آنذاك. كما أشار إلى أن الوثيقة لم تكن مجرد نص سياسي، بل كانت تعبيراً عن إرادة شعبية جمعت بين مختلف فئات المجتمع المغربي، من الملك إلى المواطن العادي.
ومن خلال تحليل أكاديمي معمق، استند الدكتور بياض إلى مقتطفات من كتاب “ليوطي المغربي أو تطبيق الحماية بالمغرب” لجنرال كاترو ، حيث وصف انتقال المغاربة من مطالبة المستعمر الفرنسي بالإصلاحات إلى المطالبة بالإستقلال ، في نضج لا متناه، يفسر النمط البرغماتي للنضال المغربي الذي قهر الحماية الفرنسية . و بصفته أستاذا و مؤرخا ، أدمج الدكتور الطيب بياض ، بشكل مثير هندسة المصطلح التاريخي و السياسي لتفسير ظاهرة المقاومة المغربية للإستعمار ، موضحًا كيف أن النضال المغربي قهر مخططات الحماية الفرنسية التي اعتمدت تكتيكات ملتوية لبسط سيطرتها على البلاد لتمهيد الحماية القنصلية في عام 1912 .
وأكد أن هذه الذكرى يجب أن تكون فرصة لإعادة قراءة التاريخ المغربي بمنظور نقدي، يُسْتَلْهَمُ منه الدروس والعبر لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وثيقة الاستقلال: دماء الشهداء وحكمة القيادة
توقف الدكتور بياض عند طبيعة المقاومة المغربية للاستعمار الفرنسي، مشيراً إلى أن المغرب كان من الدول القلائل التي حافظت على هويتها الثقافية والدينية رغم سنوات الاحتلال الطويلة. وأوضح أن وثيقة الاستقلال، التي وصفها بأنها “لم تُكتب بحبر عادي، بل كُتِبَتْ بحبر من دم الشهداء“، كانت نتاج مسيرة نضالية طويلة، توجت بخطاب الملك الراحل محمد الخامس في طنجة، والذي هز به أركان الاستعمار الفرنسي وأعاد الثقة للشعب المغربي في إمكانية تحقيق الاستقلال.
كما أبرز الدكتور بياض القيمة الاجتماعية لوثيقة المطالبة بالإستقلال المقدمة بتاريخ 11 يناير من العام 1944، في شكلها المادي ، تكاد توازي قيمتها التاريخية، حيث أظهرت “الشخصية المغربية” القائمة على التضامن والتكافل الاجتماعي. وهي القيم، التي لم يستطع المستعمر فهمها، والتي شكلت دِرعًا صلبًا حافظ على الهوية الثقافية والإثنية والدينية للمغرب ، والتي تبرز اليوم كأحد أهم ركائز هويته الوطنية. هذا التلاحم، حسب المؤرخ، هو ما جعل المغرب يخرج حينذاك من تجربة الاستعمار أكثر قوة وتماسكاً .
ذكرى 11 يناير كحافز للتميز واستمرارية النضال برؤية تنموية
ومن خلال هاته الندوة الفكرية الشيقة ، والتي فتح فيها المجال لمداخلات الحاضرين ، وتبادل الأفكار والرؤى، أبرزت كفاءات الجالية المغربية بالخارج ارتباطها العميق بجذورها الوطنية، مدركة أن الاستقلال لم يكن مجرد نهاية لحقبة استعمارية، بل بداية لمسيرة مستمرة من البناء والتقدم. وفرصة لتأمل مسيرة المغرب الطويلة نحو الحرية والكرامة. كما أن يوم 11 يناير هو مناسبة تذكرنا بأن الاستقلال لم يكن هِبَة، بل كان نتاج كفاح طويل وتضحيات جسيمة.

وفي ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله ، يواصل المغرب مسيرة التميز والتنمية، مستلهمًا من تاريخه العريق قيم التضامن والتلاحم التي تجعله نموذجاً يُحتذى به في المنطقة والعالم.
و في ختام هذا اللقاء المثمر ، استمتع الجميع بحفل شاي أقامته السيدة القنصل العام على شرف الحضور كطقس من الطقوس الوطنية الدالة على لحمة و تماسك ” العائلة ” المغربية . كما توجه الحضور بأكف الضراعة إلى الباري جلت قدرته أن يحف بعنايته الربانية مولانا صاحب الجلالة و المهابة جلالة الملك محمد السادس دام له النصر و التمكين من خلال برقية ولاء و إخلاص رفعت إلى مقامه العالي بالله تلاها الأستاذ بوشعيب طنجي الإمام الناشط في الحقل الدعوي رئيس الجمعية الثقافية الإسلامية الهلال بسان ستينو محافظة البندقية منطقة شرق الفينيطو و عضو الفدرالية الإسلامية للفينيطو نيابة عن الفعاليات الجمعوية الحاضرة .
شكرا لكل من ساهم في هذه المبادرة القيمة التي تساهم في إبراز مكانة تاريخية ثقافية متميزة للمغرب. صراحة محاضرة شيقة غنية بالمعلومات والحقائق التاريخية التي تساعد على فهمنا لتراثنا ماأحوجنا لمثل هذه اللقاءات التي أثرت بشكل كبير على الحضور الكريم وفتحت آفاق جديدة لفهم تاريخنا العريق.