
الأزمة الفرنسية-الجزائرية… عندما تتحول الجالية الجزائرية إلى ضحية للفشل السياسي والدبلوماسي
الجريدة العربية – بوحافة العرابي *
في خضم التوتر المتصاعد بين باريس والجزائر، وجدت الجالية الجزائرية في فرنسا نفسها، مرة أخرى، في قلب عاصفة سياسية لا يد لها فيها، بل تُستَخدم كوسيلة ضغط وورقة تفاوضية، في مشهد يعكس عجز الدولة الجزائرية عن احتواء أزماتها الداخلية وفشلها الذريع في نسج علاقات خارجية متوازنة.
الجدل تفجر بعد تصريح صادم للمتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، أشارت فيه إلى “إجراءات جديدة” تخص “جزءًا من الجالية الجزائرية”، ما أثار موجة استنكار واسعة داخل فرنسا وخارجها، وخصوصًا في الجزائر، التي رأت في ذلك تهديدًا مباشرًا لمواطنيها المقيمين في فرنسا ولمزدوجي الجنسية من أصل جزائري.
سياسة الارتجال والعجز الدبلوماسي
إذا كانت التصريحات الفرنسية تنم عن انزلاق خطير في الخطاب السياسي الرسمي، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النظام الجزائري، الذي يفتقر إلى رؤية سياسية واضحة، ويغرق في ردود أفعال ارتجالية تعكس العجز المزمن للدبلوماسية الجزائرية عن حماية مصالح مواطنيها، سواء داخل الجزائر أو خارجه.
هذا التصعيد الفرنسي جاء بعد طرد دبلوماسيين جزائريين، كرد على إصرار الجزائر على إنهاء مهام عدد من الموظفين الفرنسيين في سفارتها، لكنه تحوّل إلى أزمة حقيقية عندما أُقحمت الجالية الجزائرية، التي لا ذنب لها في إخفاقات النظامين.
الجالية الجزائرية.. من شريك إلى “متهم”
صحيفة الشروق الجزائرية وصفت الموقف الفرنسي بأنه متهالك أخلاقيًا، مشيرة إلى أن باريس تسعى إلى “لي ذراع” النظام الجزائري عبر استهداف مواطنين أبرياء. أما النائب سعد لعني فاعتبر التصريحات “تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان”، بل واستهدافًا مبطنًا لمواطنين فرنسيين من أصول جزائرية.
لكن المقلق أكثر هو غياب أي دور فعّال من النظام الجزائري للدفاع عن جاليته. فبدلًا من نهج دبلوماسية استباقية وهادئة، واصلت الجزائر سياسة التصعيد، ما جعل من الجالية الجزائرية ضحية من ضحايا الفشل المتكرر للجنرالات ومنظومة الحكم في قصر المرادية.
خطاب فرنسي مقلق وتواطؤ ضمني جزائري
السكوت الجزائري الرسمي عن تداعيات هذه التصريحات يزيد من حدة المخاوف. الكاردينال جان بول فيسكو، وهو فرنسي من أصول جزائرية، حذر من أن “السكوت عن هذا الخطاب سيقود إلى شرخ داخل الأمة الفرنسية”. ومن جهة أخرى، تستمر وسائل الإعلام اليمينية الفرنسية في الترويج لصورة نمطية خطيرة عن الجالية، معتبرة إياها تهديدًا داخليًا.
لقد وضعت الجزائر نفسها في موقف لا تُحسد عليه، بسبب انعدام البوصلة السياسية لدى صناع القرار، وهو ما يُفسر تواتر المواقف الفرنسية العدائية، التي كان من الممكن تفاديها عبر قنوات الحوار والتفاهم.
الجزائريون يدفعون الثمن
بين أزمة تسيير داخلية، وعجز دبلوماسي خارجي، لم يعد المواطن الجزائري يعرف من يحمي مصالحه. فالجالية في فرنسا أصبحت رهينة حسابات سياسية ضيقة، بينما الداخل الجزائري يعاني أصلاً من انغلاق سياسي وتردٍ اقتصادي. وفي كلتا الحالتين، الشعب هو من يدفع الثمن.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في علاقة المواطن الجزائري بالنظام الذي يحكم الجزائر، وبمفاهيم المواطنة والكرامة والتمثيلية. لأن السياسات الحالية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، تؤدي إلى تآكل ثقة المواطن في دولته، وإلى انعكاسات سلبية على صورة الجزائر في الخارج.
لقد بلغ النظام الجزائري من العجز السياسي والدبلوماسي ما لا يمكن التغاضي عنه، وأضحى واضحًا أن هذا النموذج السلطوي المبني على حكم العسكر، يقود الجزائر إلى عزلة دولية وانهيار داخلي. إن ممارسات قصر المرادية وعبث الجنرالات بمقدرات البلاد تدفع نحو قطيعة حتمية بين الحاكم والمحكوم.
حيث أنه لم يعد أمام الشعب الجزائري سوى كسر جدار الصمت، وإعادة تشكيل معادلة السلطة عبر ثورة شعبية تعيد السيادة للشعب وتحاسب من خانوا الأمانة. على أن للجزائريين أن يدركوا أن التغيير الحقيقي لا يأتي من وعود النظام، بل من إرادة جماهيرية تقلب الطاولة على منظومة الفساد، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة تُبنى فيها الجزائر على أساس العدالة، والكفاءة، والتمثيل الشعبي الحقيقي.
إن الجزائر، بشعبها وثرواتها، تستحق أكثر بكثير من نظام أذاق أبناءها الحنظل، داخل الوطن وفي المهجر.
_____________________________________________________________