
ازدواجية المبادئ من الرباط إلى الدوحة: عندما تُغفَر لقطر ما لا يُغفَر للمغرب
الجريدة العربية – عبد العزيز الريصوني
في زمن باتت فيه المواقف تُفصَّل على مقاس المصالح، يبدو أن البوصلة الأخلاقية لبعض “المنابر” والنشطاء لم تعد تشير إلى المبادئ، بل إلى المواقع الجغرافية. وإلا كيف نفسّر كل هذا الصراخ والضجيج الذي رافق ظهور أربعة جنود إسرائيليين في مناورات “الأسد الإفريقي” بالمغرب، بينما لم نسمع سوى صمت القبور حين حلّقت الطائرات الإسرائيلية فوق غزة، ثم حطّت بسلام في اليونان لتشارك جنبًا إلى جنب مع المقاتلات القطرية في مناورات عسكرية مشتركة؟
أين اختفت الشعارات الرنانة عن “التطبيع خيانة”؟ وأين ذهبت جحافل التغريدات الغاضبة والتصريحات الثورية؟ لماذا لم تخرج المواقف الصارخة من مخابئها حين تعلق الأمر بقطر؟ ولماذا تُشحذ الأقلام فقط عندما يكون المغرب هو العنوان؟
الجواب ببساطة: لأن المبادئ عند بعضهم ليست سوى أدوات سياسية قابلة للتعطيل والتفعيل وفق خريطة المصالح والتحالفات. لأن ما يُغفَر لقطر، لا يُغفَر للمغرب. ولأن العدل في الميزان غائب، والمصداقية مفقودة.
حين تكون المناورات في الرباط، يُفتح مزاد المزايدات، وتُسَنّ الخطب. أما حين تكون في الدوحة، تصاب الذاكرة بعطب مؤقت، وتدخل المبادئ في عطلة مفتوحة.
لكن الحقيقة التي لا يمكن دفنها أن المغرب دولة ذات سيادة، تقرر تحالفاتها انطلاقًا من مصالحها الوطنية، شأنها شأن قطر وكل دولة أخرى. والمرفوض ليس اختلاف المواقف، بل الكيل بمكيالين.
من حق أي شخص أن يرفض التطبيع، وأن يعارضه علنًا. لكن من واجبه – إن أراد أن يحترم ذكاء المتابعين – أن يُطبّق الموقف ذاته على الجميع، لا أن يُلبسه حسب لون الجغرافيا.
فليُرفع شعار “لا للتطبيع” إن كان صادقًا، ولكن فليُرفَع في وجه الجميع، لا أن يُفعّل في الرباط ويُعلّق في الدوحة.