مقولة الولهان في فن الشواء والزَنَّانْ …
الجريدة العربية – الأستاذ إدريس زياد
استُجلِبَتْ إلينا الوليمة المستديرة من لحم خروف فتي طري، استعرضتْ أمامنا مشوية ومحمّرة على مشهد شهي مفتوح، وعليها من أصناف المقبلات ما عليها، تسبقها رائحة عابقة تملأ خياشيم العقل المفتون بالنكهة الباذخة، وُضِعَتْ أمامنا دائرة المعاميع، أقْبَلتْ فاستدرنا عليها من كل صوب كأنها النازلة المغمومة بعد صومٍ طويل أو عطشٍ للقاء حبيب توحّشت غربته…
وكانت الدوارة أول ما شقته أصابعنا، ملفوفة وسط قطعتان كبيرتان من المصران اصطفتا كأنهما بُوقان ينفخان لإعلان السعادة، فكانت غضّة سهلة مهضومة فتحت الشهية بشحم الشوق وكأنها الحرير المفروش على ممرات العبور إلى المعدة، والمزيج اللزج الذي يحمل نكهات اللذة، وأثناء التناتش تذاكرْنا أن تلك الأعضاء في الأبدان تتوقف عن النمو عند البلوغ إلا الدوارة فإنها تتمدد في البطن كما يشتهي صاحبها…
وتحلّينا في منتصف الطريق بفستق لحمة الرأس المفصولة عن العظم التي تنزلق مِن فَوْرها لنجدة أمعائنا الصارخة، تخالطها مجاميع اللسان المشرشرة السطوح، ويرقد النخاع خازن الذكريات في وسط الرأس يحبس أسراره، يهمس بأسرار الفتنة إلى عشاقها المبتلين بداء الملوك الذين نهاهم الطبيب عن مسّ اللحم وهم من حلفوا ألا يأكلوا اللحم، لكنهم يحبون أكل لحم الكتف ويعرفون كيف تُؤكل ومن أين يُبدأ بأكلها، والذي يُتقن معرفة كيف تُؤكل الأكتاف، ستطيب له حين تقلُّ الأرداف والأكتاف، أكلوا كل شئ حتى تركوها قاعاً صفصفاً لا تجد فيها لحماً ولا شحماً وغضاريفها وكأنها لحيوانات نافقة في الصحاري القاحلة.