الأستاذ إدريس زياد – الجريدة العربية
ما هو الحب؟ أهو إعجاب بجمال، أم إعجاب بذكاء، أم إعجاب بقدرة جسدية أو عقلية، أم إعجاب بمنطق، أم إعجاب بفلسفة حياة، أم إعجاب بثروة، أم إعجاب بمنصب، أم إعجاب بقوة، أم إعجاب بهدوء شخصية، أم إعجاب بجنون، أم إعجاب بتحرر، أم إعجاب بتبعية، والفرق بين الإعجاب والحب اللحظي قد يمتد لسنين من الزمان قبل أن تنكشف عورته، وتظهر سوأته، يقع أغلبنا في شَرَكِ فترة التمثيل، الفترة الأولى التي يَكِدُّ كل طرف فيها بتلوين أطرافه، كفترة الخطوبة، فما تفتأ البنت تُزيّن مخارج الحروف، وتنتقي الكلمات، وترخي الصوت، وتخفي حُفر الوجه، وتُطلق مشاعر الحب لأهل عشيقها أو خطيبها، وما يفتأُ هو بإطلاق رومنسيته (السلوݣية)، وإظهار عود لينه، ورجولته، وغيرته، ورصانته، وسكوته الساحر، وكرمه الحاتمي، حتى إذا مرت الأيام، وضمنت البنت بيتاً، وضمن الولد قبولاً، لم تعد تستيقظ قبله لترميم وجهها أو لتخفيف حدة الانفجار الحادث في شعرها، وهو لم يعد يفتح لها باب السيارة، ولم يعد يهديها وروداً، ويغني لها ألحاناً، إنما تبدل الخفوت بالصراخ، والابتسامات بكشرات الوحوش، واختفت علامات الجمال والكرم، والفلسفة والهدوء، وتحول البيت لمعركة تكثر فيها فترات التهدئة على حسب مزاج المتقاتلين، ما بني على إعجاب فقط فهو باطل لا محالة، إن لم تتبعه بذرات العقل المتفحصة والدارسة والمقايسة المطمئنة، لا أخفي إن أخبرتكم أنني غير مقتنع بكلامي هذا، فالذي يديم العلاقة، ويجعلها حباً حقيقياً هو العكس تماماً…
في فترة الخطوبة، تكون العروس مبسوطة وراضية بكل الأحوال ومتفهمة ظروفك المادية والمعنوية، ومقامك كبير في عينيها، وكل ما تحتاجه منك هو كلمة رقيقة وفسحة ماتعة وجلسة هانئة، فلا داعي أن تظهر بأكبر من حجمك وتقدم وعوداً أنت لست في مستواها وليس في مقدورك، لأنك بعد الزواج ستصغر في عينيها وتدب المشاكل بينكما حين تكتشف أنك كذاب مخادع ومخاتل، فمن يرى بعينه يملك البصر ومن يرى بقلبه يملك البصيرة، ومن يرى بعقله يملك الحكمة، لا تسمحوا للأحلام الوردية أن تهدم سعادتكم، نعيم لا شقاء فيه فقط في الجنة، وبيوت النبي عليه الصلاة والسلام لم تخل من الأشياء التي تقع بين الأزواج، فلنثبت أنفسنا على تحمل بعضنا، والصبر على ما نكره، ومقابل كل نقص أو خطأ قد نجد أشياء أخرى جميلة كلها صواب، وهذه سنة الحياة والكمال لله…
فزوجة كاملة بلا عيوب وفيها كل ما تريد من مواصفات هي حورية لن تجدها إلا في الجنة، وزوج فيه كل ما تريدين من مواصفات وخال من العيوب لن تجديه إلا في الجنة، أن يجد المرء منا في شريك حياته أغلب الصفات، فهو مجبر على تحمل النقص، والصبر على ما يكره إن أراد للحياة أن تستمر، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: لا يفرك (يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غَضْبَى قالت: فقلتُ: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غَضْبَى، قلتِ: لا ورب إبراهيم قالتْ: قلتُ: أجل والله يا رسول الله، ما أهجُرُ إلا اسمك
فإذا ظهرت المخالب، وانقلبت الابتسامة، وعثر الدهر على طرف، نبت في رأس الآخر عقل ونبض قلب، فكان التفهم، وبدلاً من أن يلبس هذا الآخر درعاً، ارتدى صبراً وتحزم فهماً، وبدلاً من أن يقذف كلمة، ألقى ابتسامة، فكان ظهراً ودرعاً وسنداً، كان ملاذاً ومهرباً، في لحظات الضنك تلك، حينما تختفي ألوان الحياة تاركة سواداً قاتماً، وليلاً حالكاً، تأتي تلك اليد الحانية، التي تخترق حدود هيكل عظمي نحو أعماق القلب، هكذا فقط يكون الولاء أعمى، ويصبح الإعجاب حباً لا تزيحه الخطوب العظيمة، تظهر الحقيقة إذا ما أُسقط الواحد منا في ميزان الحياة، الذي لن يكون تمثيلاً أبداً في مجمله، إنما دائماً ما تصدم فيه حقائق الأمور، وهي التي تدمي وتبكي، وتهد وتقصم، فإن لم تكن تلك اليد الماسحة، والساندة، والمتحركة على فروة الرأس بين خصلات الشعر، اللامسة للقلب والعالمة بسرعة دفقانه، لما جاء الحب ولا سلم العقل ولا اقتنع الفؤاد.