أعمدة الرأي

طاطا.. مدينة بلا روح ثقافية ولا نبض رياضي، فمن يُنقذ شبابها؟

رضوان ادليمي -الرباط

تعاني مدينة طاطا من غياب شبه تام للأنشطة الثقافية والفنية، مما يثير تساؤلات حول دور المؤسسات الرسمية والجمعيات في تأطير الشباب، خاصة في ظل تنامي بعض الظواهر الدخيلة التي تهدد القيم المجتمعية. فبينما تحتاج المدينة إلى فضاءات ثقافية ورياضية تستوعب طاقات الشباب وتوجهها نحو الإبداع، نجد ركودًا واضحًا في المبادرات التي تعزز قيم التسامح والانفتاح، وسط تراجع دعم المجالس المنتخبة للأنشطة الجمعوية لأسباب قد تكون سياسية أو ثقافية، لكنها في النهاية تصب في خانة الحسابات الضيقة التي لا تضع مصلحة الشباب ضمن أولوياتها.

من بين الأسباب الرئيسية لهذا الوضع، نجد تغييب المجتمع المدني ومحاربته، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث تضافرت العوامل المادية والسياسية والأيدي الهدامة لتجهض العديد من التظاهرات الثقافية والفنية التي كانت تمنح للإقليم إشعاعًا وطنيا ودوليًا، مثل الملتقيات الوطنية لأغنية الطفل، المعرض الجهوي للكتاب، مهرجان سينما الواحة، والمهرجان الوطني والدولي لمسرح الشباب والهواة. غياب هذه الفعاليات أضعف الدور التربوي والثقافي للمجتمع المدني، وحرم الشباب من فرص التعبير عن مواهبهم وتنميتها.

ولم يكن المشهد الرياضي أفضل حالًا، حيث تعرضت فرق كرة القدم المحلية، سواء فرق الذكور أو الإناث، لتراجع كبير بعد أن كانت تحظى بمكانة مميزة. هذا الانهيار لم يكن مجرد مصادفة، بل جاء نتيجة تهاون المسؤولين واكتفائهم بالمشاهدة، إن لم يكن الاستمتاع، بينما يتبدد مستقبل اللاعبين الشباب.

كما أن البنية التحتية الرياضية في المدينة تعاني من نقص حاد، مع غياب ملاعب وتجهيزات مناسبة، إضافة إلى تهميش دور وزارة الشباب، حيث تحولت دار الشباب “المسيرة” إلى مجرد أطلال بعد أن هجرها الشباب لعدم قدرتها على تلبية تطلعاتهم.

على المستوى الثقافي، تفتقر المدينة لقاعات عمومية تستوعب الأنشطة الثقافية والمبادرات الجمعوية، مما يحد من تأثير الفعل الثقافي في النسيج المجتمعي المحلي. ويضاف إلى ذلك التضييق الإداري الذي تواجهه الجمعيات، خاصة في بعض القيادات القروية، حيث يتم التماطل في تسليم وصولات الإيداع دون مبرر، مما يعرقل دورها في التأطير والتنشيط.

غياب التأطير الثقافي يترك فراغًا يستغله التطرف، حيث شهدت مناطق متفرقة من المغرب مؤخرًا اعتقال شبان في مقتبل العمر ضمن خلية إرهابية موالية لتنظيم “داعش”، مما يعيد إلى الواجهة أهمية تعزيز قيم الوطنية والاعتدال لدى الشباب.

يتزايد انتشار المخدرات بين شباب طاطا، وما يصاحبها من مشكلات اجتماعية وأخلاقية، ناهيك عن تداعياتها النفسية والعقلية التي تفضي أحيانًا إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم تهدد استقرار الأسر والمجتمع. غياب بدائل تنموية وثقافية تعزز القيم الإيجابية يجعل الشباب عرضة لهذه المخاطر، مما يستدعي تدخلًا عاجلًا من الجهات المسؤولة لوضع حلول مستدامة.

لا يمكن إنكار جهود بعض المؤسسات التي يقودها مسؤولون بضمائر حية، إلا أنها تبقى غير كافية في ظل واقع مأزوم. يرى العديد من الفاعلين الجمعويين أن النهوض بالعمل الثقافي والتربوي في طاطا يتطلب تعزيز الشراكة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وتوفير الدعم المادي واللوجستيكي الكافي لتمكين الجمعيات من تأطير الشباب وتحصينهم من الانحراف والتطرف.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى الرهان معلقًا على وعي الفاعلين المحليين بأهمية الاستثمار في الشباب، باعتباره ركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وهو ما شدد عليه عامل الإقليم “صلاح الدين آمال” في خطاباته الرسمية، داعيًا إلى إعطاء الأولوية لهذه الفئة لضمان مستقبل أفضل لطاطا وشبابها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى