اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة… إدعاء التقنين ام دفاع عن المصالح الضيقة!؟
الجريدة العربية-الرباط
أعلنت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة (المجلس الوطني للصحافة)، ستشرع في استقبال ملفات طلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية برسم 2024 بداية من 20 نونبر الجاري إلى غاية 20 دجنبر القادم.
وأوضحت اللجنة في بلاغ لها، أنه تم وضع منصة إلكترونية جديدة(cartepro.cnp.press.ma) باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتقديم طلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية قصد تسهيل عملية إيداع الطلبات وتمكين مقدمي الطلب من تتبع مآل ملفاتهم.
وأشارت اللجنة في البلاغ نفسه، إلى أنه بالنسبة لطلب الحصول على بطاقة الصحافة المهنية لأول مرة، يتعين على المعنيين بالأمر التسجيل القبلي بالمنصة الإلكترونية وإرفاق استمارة طلب تسجيلهم بالوثائق المطلوبة وإيداعها بشكل مباشر لدى المصالح المختصة بالمجلس الكائن مقره ب 53 شارع الأميرة لالة مريم السويسي الرياض بالرباط، بعد أخذ موعد من المنصة المذكورة.
وخلصت اللجنة المؤقتة في البلاغ ذاته، إلى أنها تحيط عموم الصحافيين والصحافيات علما بأنها وضعت نظاما خاصا طبقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل يحدد الوثائق المطلوبة حسب كل صنف من أصناف الصحافيين المهنيين ويمكن الاطلاع على النظام المذكور عبر الموقع الإلكتروني التالي www.cnp.press.ma:
كما قامت هذه اللجنة بإصدار نظام خاص بتنظيم الولوج الى ممارسة مهنة الصحافة.
هذا النظام الذي استندت فيه الى مقتضيات المادة 2 من القانون رقم 90.13 من جهة، والى القانون رقم 15.23 المتعلق بإحداث هذه اللجنة من جهة أخرى، فضلا على قوانين أخرى.
فاذا كانت أهداف هذا النظام الخاص كما حددتها هذه اللجنة تتمثل في:
– ضبط عملية الولوج إلى ممارسة مهنة الصحافة طبقا للنصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل؛
– تبسيط مسطرة تلقي الملفات المتعلقة بطلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية، حيث أحدثت منصة إلكترونية جديدة، تسمح للصحافيات والصحافيين من تقديم طلباتهم وإيداع وثائقهم عبرها؛
– التمييز بين الشروط والوثائق التي يتعين الإدلاء بها من قبل كل صنف من أصناف الصحافيين المهنيين) الصحافي المهني المحترف، الصحافي الحر، الصحافي المتدرب، الصحافي الشرفي (كما عرفتهم المادة 2 من القانون رقم 89.13 ، قصد الحصول على بطاقة الصحافة المهنية؛ هنا أخطأت اللجنة فالمادة المعرفة للصحفي المهني هي المادة 1 من القانون المشار اليه ثم تاتي المادة 2 من ذات القانون التي تتحدث على المصورين و التقنيين وما يدخل في صنفهم كصحفيين مهنيين.
– وضع آليات جديدة للتحقق من توفر طالب البطاقة المهنية على جميع الشروط الضرورية لممارسة مهنة الصحافة.
الا ان مجموعة من الأسئلة التي بدأت تدب داخل الجس الصحفي المغربي، من قبيل ما مصير مئات الصحفيين الذين سيجدون أنفسهم بين عشية وضحاها مشردين؟ ما مصير مئات المؤسسات الإعلامية (خاصة منها تلك المقاولات الناشئة التي لا تتلقى أي دعم عمومي)؟ من هي الجهات المستفيدة من هذا النظام الخاص الجديد؟
هل يحق لهذه اللجنة اصدار هذا النظام أساسا؟ هل استحضرت هذه اللجنة الأبعاد الدستورية والدولية التي تتأسس عليها مهنة الصحافة؟ أم انها استحضرت هواجس ضيقة أخرى بعيدة كل البعد عن المنطق الذي رسمته بلادنا، خاصة بعد دستور 2011 وراء القيادة الرشيدة للسلطان محمد السادس من تفعيل للجهوية المتقدمة، وغيرها من اليات الاشراك والانصات والتشاور وانصاف الأجيال؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن الا طرحها بعد قراءة تأملية من كل عاقل لمواد هذا النظام الخاص الجديد.
أولا: العمل على تبسيط المساطر
أعلن هذه اللجنة بأنها أحدثت منصة إلكترونية جديدة(cartepro.cnp.press.ma) ، طبقا لأحكام القانون رقم 19 – 55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، تسمح للصحافيات والصحافيين من تقديم طلباتهم وإيداع وثائقهم عبرها؛
باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتقديم طلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية قصد تسهيل عملية إيداع الطلبات وتمكين مقدمي الطلب من تتبع مآل ملفاتهم.
ان هذا الاجراء لا يمكن الا التنويه به، ولا يمكن ان ينكره جاحد، لكونه سيسهل عمليات إيداع الوثائق وتتبعها عن بعد، دونما عناء التنقل من والى العاصمة الرباط، استجابة لعدة انتقادات سابقة لعمل المجلس الوطني للصحافة، والتي بدأت في التحسن تدريجيا من هذه السنة التي اقتربت على الانتهاء.
ثانيا: تقنين المهنة أم سحق المقاولات الناشئة.
ادعت اللجنة المؤقتة انها بصدارها هذا النظام الجديد فهي تعمل كما أشرنا سابقا الى تقنين الولوج الى المهنة، لكن بالرجوع الى أصل المشكل، هل يحق لهذه اللجنة اصدار هذا النظام.
الجواب بسيط، حسب القانون رقم 15.23 المتعلق بإحداث هذه اللجنة، يحق لها اصدار مثل هذا النظام. الا انه بالرجوع الى المادة 2 من القانون رقم 90.13 فان هذه الصلاحية كانت من اختصاص المجلس الوطني للصحافة الذي يتألف من ممثلي الصحفيين وممثلي ناشري الصحف.
الا اننا اليوم في ضل هذه اللجنة التي تتضمن فقط فئة وحيدة وهي الصحافيين، تطبق اتفاقية جماعية مشتبه في امرها، نجد نفس وحيد مستمر وهو القضاء على المقاولات الإعلامية الناشئة.
خاصة وان اغلبية المؤسسات الإعلامية الناشئة والتي تتواجد في خارج مداري الرباط والدار البيضاء وطنجة فهي تعيش أزمات مالية، والتي لم تم تهميشها من طرف المجلس الوطني للصحافة واليوم سيتم القضاء عليها من طرف هذه اللجنة المؤقتة.
هنا لا يمكننا الا لفت الانتباه الى ان أكبر مساهم في خراب هذه المؤسسات الإعلامية وتشريد العاملين بها، هم الأغلبية البرلمانية التي صادقت على القانون رقم 15.23، فاذا كان ولابد من احداث هذه اللجنة المؤقتة (التي لا نرى لها ضرورة)، كان من الأجدى لجمها قانونيا، بجعلها فقط لجنة لتسيير القطاع مؤقتا الى حين تنظيم انتخابات حسب القانون رقم 90.13، أي بحصر مجال اشتغالها وفقط منح البطائق حسب ما كان معمولا به، والتحضير لانتخابات المجلس.
ثالثا: الأصل في الصحافة الحرية والأصل في الفكر الليبرالي هو حرية المبادرة الفردية
إذا كان هم اللجنة المؤقتة تقنين المهنة كما تدعي، فان في الدولة أجهزة لها الإمكانيات الكبيرة والصلاحيات القانونية والدستورية لذلك، لكن مع الأسف اليوم هذه اللجنة والتي بالمناسبة جل أعضائها الصحفيين هم صحفيون ينتمون لبضعة أحزاب ويشتغلون لديها، وينتمون لقطاع الصحافة الورقية التي تتلقى دعم عمومي جد سمين وأيضا الاشهارات التي تدر عليها الاف الدراهم شهريا.
في حين ان اغلب الصحف الالكترونية تصدر عن شركات ناشئة لا تتوفر على إمكانية الولوج الى الدعم العمومي ولا الوصل الى منابع اشهار المؤسسات العمومية، مما يجعلها تصارع من اجل البقاء والتكيف شيئا فشيئا مع الأوضاع الاقتصادية خاصة ما بعد جائحة كوفيد-19.
اغلب هذه المنشئات الصحفية في المدن والأقاليم خارج مداري الرباط –الدار البيضاء وطنجة، اغلب أصحابها يتوفرون على مؤهلات علمية الاجازة وما فوق يشتغلون بمهنية، لكن كل هذا وغيره لم يشفع لهؤلاء لدى هذه اللجنة المؤقتة التي ستجهز على احلامهم ومشاريعهم الإعلامية في غضون شهرين الى أربعة أشهر.
رابعا: التنظيم الذاتي للمهنة ومسألة الدعم العمومي
حسب آخر تقرير للمجلس الوطني للصحافة، يبين بأن عدد الصحفيين الحاصلين على البطاقة المهنية لسنة 2022 بلغ عددهم 3492، أغلبيتهم يزاولون عملهم في الصحافة الإلكترونية ب 1417 صحفي(ة) في حين صحفي قطاع السمعي البصري بلغ عددهم 1086 اما الورقي فبلغ عددهم 650، الصحفيين الشرفيين 153 اما الصحفي الحر ف 132 وصحفي الوكالة فبلغ عددهم 54.
من هذه الاحصائيات التي قد تنقص او تزيد لسنة 2023(التي لم يوفر المجلس الوطني للصحافة بخصوصها اية معطيات)، يتضح:
ان صحفي الصحافة الالكترونية أصبحوا يشكلون أرضية لا بأس فيها ان تشكل خطرا وتهديدا لوجود صحفي الورق.
صحفي قطاع السمعي البصري اغلبيتهم من القطاع العمومي إضافة لصحفي الوكالة.
وإذا ما اضيف إليهم فئة الصحفي الحر والشرفيين كل هؤلاء قد يشكلون تهديدا وجوديا لصحفي القطاع الورقي والذين هم اغلبيتهم ينتمون للأحزاب.
وحسب ما معمول به فان الصحافة وللأسف تستفيد من دعم عمومي (من وجهة نظرنا بدعة)، هذا الدعم الذي يزداد او يتقلص حسب الظروف، الا انه مؤخرا يلاحظ إمكانية مزاحمة أصحاب الشركات الناشئة هؤلاء (الرواد بين قوسين)، فكان من الطبيعي قطع الطريق الذي ابتدأ مع صدور القانون رقم 88.13 وأيضا القانون 90.13 بوضع شروط مجحفة لإمكانية الترشح لعضوية المجلس الوطني للصحافة، وأيضا تلك الشروط التي لازمت لسنوات ان تتوفر في المؤسسة الإعلامية حتى يتسنى لها الاستفادة من ذلك الدعم.
اليوم لا يوجد أي مبرر لهذه الشروط، بل في الأصل لا يوجد مبرر لهذه اللجنة المؤقتة، سوى إبقاء فئة مستفيدة من الريع العمومي الموجه للصحافة والاعلام، وقتلها لعشرات المقاولات الصحفية الناشئة في وأد صريح لكل معاني وعبارات حرية المبادرة الفردية من جهة وأيضا حرصها المستميث لوأد أي شاب طامح ان يستثمر وان يلج قطاع الصحافة والاعلام مستقبلا.
بعبارة أدق وأصلح هو صراع الأجيال، صراع البقاء، بقاء الأقوى الذي يملك المعلومة والذي يملك النفوذ، الأقوى الذي يحمي مصالحه الضيقة، الذي لا تهمه المصالح العليا للبلاد، لا تهمه صورة البلاد دوليا، ذلك الأقوى المتغطرس الذي لا يهمه الاقتصاد الوطني ولا يسعى الى المساهمة في تطويره، الذي الأقوى المتعنت بجهله لمصالح البلاد العامة ضاربا بعرض الحائط الدستور والقوانين لأنه في الأول والأخير لا يهمه الى نفسه.
خامسا: تقنين المهنة ام الفوضى
كما يعلم الجميع لا يمكن لأي مجال ان يتم تقنين من دون الجلوس مع جميع الأطراف والحوار والتشاور من جهة، وأيضا التدرج في اخراج القوانين وتنزيلها من جهة أخرى، فضلا على وضع الضمانات الكفيلة بنجاح ذلك من ناحية أخرى.
الا ان اليوم مع هذه اللجنة المؤقتة، التي تدعوا بطريقة غير مباشرة الى وأد الصحف سواء الالكترونية او الورقية المحلية والجهوية منها بالخصوص، وأيضا تدعوا الى مركزية المشهد الصحفي والإعلامي بالمغرب، وبالتالي اعادتنا الى سنوات قال الجميع بانها ولت الى غير رجعة.
عقلية متحجرة لا يهما الا المحافظة على مكاسبها بل الأكثر من ذلك مضاعفة مواردها المالية وتكديس حساباتها المصرفية، عوض الاخذ بالأجيال الصاعدة والمساهمة في نشر الديمقراطية والتنمية الترابية المحلية.
اليوم، سيجد مجموعة من الصحفيين المهنيين الذين قد لا يسايرون هوى هذه اللجنة وان يتم اغراق مقاولاتهم التي تعاني أصلا في صمت بمتأخرات وغرامات مالية قد تعصف بمستقبلهم بل بحياتهم العادية، اما خياراتهم احلاهما مر.
انتشار المواقع الالكترونية والمدونات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي سيتضاعف مع قرارات هذه اللجنة لا محالة، في ظل التضييق على الحريات وضرب المكتسبات ووأد طموحات أجيال كانت تتغنى بحرية الصحافة والتعبير التي أصبحت مصادرة من أبناء نفس المهنة.
هذه اللجنة التي تطاولت على اختصاصات واضحة وضعها المشرع المغربي، فكيف سمحت لنفسها ان تسن مقتضيات هي أصلا موجودة، يا سادة يا أعضاء اللجنة المؤقتة لقد تعسفتم على الدستور والقوانين الجاري بها العمل، ان سماح المشرع للمجلس الوطني للصحافي ومن بعده هذه اللجنة سن أنظمة خاصة لتنظيم الولوج للمهنة هو في الأصل تنظيم أمور خاصة لم يشر لها صراحة المشرع، ومن هذا المنبر أقول لكم القاعدة القانونية الواضحة لدى جميع اقطار العالم “لا اجتهاد مع النص“.