الحكومة في أزمة : “فُكْها يا مَنْ وَحْلْتيها” ….
بقلم الأستاذ إدريس زياد
يبدو أن الحكومة تخبط خبط عشواء، وتضرب الأخماس في الأسداس، وتسابق الزمن لاحتواء إضرابات ومسيرات واحتجاجات الأساتذة وموظفي قطاع التربية والتعليم التي تسري كالنار في الهشيم في جميع المدارس العمومية في البلاد، رفضاً لنظام أساسي موحد على أساتذة وموظفي القطاع، في إطار خارطة طريق لإصلاح منظومة التربية الوطنية 2022-2026 بخطة إصلاح شاملة في إطار نظام أساسي موحد على حسب قول وزير التربية والتعليم، تفاجأ الجميع ببلاغات إطفائية بالجملة من طرف النقابات لمنخرطيها في وقت واحد إلى تعليق كل الأشكال النضالية، رغم أن الأساتذة وحدوا النضال لإسقاط هذا النظام الأساسي المجحف في إطار النداء الذي دعى له التنسيق الوطني لقطاع التعليم…
في بلد تدّعي حكومته إصلاح صندوق التقاعد بزيادة اشتراك الموظف وتمديد فترة عمله، في بلد خوصص الصحة والتعليم، في بلد كبّل الأساتذة بحبل التعاقد ونظام أساسي كارثة ولفه على أعناقهم، وفي بلد لازال الأستاذ يضرب ويجلد ويسحل ويسجن لسبب بسيط جداً وهو يطالب بحق من حقوقه، في بلد يرمي مواطنيه لوحوش السوق الحر لتقرر أسعار غدائه وأسعار صحته وأسعار تعليمه وأسعار توظيفه وسعر حياته، في غياب برلماني لا يفكر إلا في نفسه ولا حكومة تحميه، في بلد من المفروض أن من يجب أن تُمارس عليه سياسة المحاسبة هو المسؤول بالدرجة الأولى، في بلد لا زال الفساد الأكبر في الريع والتلاعب للفوز بالصفقات واستغلال الثروات الطبيعية والتهربات الضريبية، في بلد يتمتع فيه سُرَّاق المال العام دون حسيب أو رقيب، في حين لا يزال الموظفون والأساتذة ومنهم من أصبح في مرحلة متقدمة في السن يبحث عن أمان أو اعتراف…
فمسلسل الإحتجاجات التي شهدتها ساحات المدن المغربية في العشر سنوات الأخيرة بخصوص مطالب كثيرة ومتنوعة وعلى رأسها جريمتي التقاعد والتعاقد وكذا النظام الأساسي الخاص بقطاع التربية والتعليم الذي تريد الوزارة ومعها الحكومة أن تفرضه على الأساتذة وموظفي القطاع دون احترام المنهجية التشاركية، هو نتيجة سياسة بئيسة لوزير لا علاقة له بقطاع التربية والتعليم لا من قريب ولا من بعيد، زرع قنابل الإحتجاجات في كل ركن من أركان هذا الوطن، في ظل الغموض والضبابية الذي يعم القطاع، والمس بكرامة الأساتذة وموظفي القطاع ومكانة المدرسة العمومية، لو كنا فعلاً نؤمن بالديمقراطية لقدّم الوزير وطاقمه استقالتهم بعد مسيرة الرباط السلمية المعبرة عن الحضارة في الإحتجاج عند الأساتذة، والجلوس معهم إلى طاولة الحوار، وليس تهديدهم بالإقتطاع من أجورهم أيام الإضراب في خرق سافر للقانون الذي سَنّهُ المخلوع ذو المعاشين، فالتعليم مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً والمدرسة العمومية تتعرض للتصفية بمشاركة النقابات ومنصات الاسترزاق السياسي ومنابر الرداءة من إعلام الزور لأنهم جزء من المشكل وطرف من المعضلة…
كيف لأي حكومة أن تخضع لإملاءات البنك الدولي وتنفدها بالحرف وتخضع أيضاً لقيود لا يمكنها الخروج عنها، دائماً على حساب الموظفين ابتداء بإصلاح صندوق التقاعد وفرض التعاقد ثم تنزيل النظام الأساسي الحدث، كل هذه الضربات المميتة وقعت بتواطؤ الحكومة مع الأحزاب والنقابات، فأََكَلة السحت والريع سلاقطة المال الحرام لم يغادروا مناصبهم حتى أفرغوا صناديق الدولة (التقاعد، الإيداع والتدبير، المقاصة، الضمان الاجتماعي)، وتركوها قاعاً صفصفاً، هذه النقابات إن كنتم فعلاً جادين، أعيدوا النظر في ملف التقاعد وملف الأساتذة المتعاقدين والنظام الأساسي اللغز المفروض من الحكومة والمرفوض جملة وتفصيلاً من طرف الأساتذة وموظفي القطاع، عمموا الإضرابات والمسيرات إلى غاية إسقاط هذا الضرر على الموظفين والأساتذة، وإرغام الحكومة على الجلوس والحوار بقوة النضال وليس بالخنوع والخضوع والقفز إلى المركب في اللحظات الحاسمة فهذه ليست إلا مهارة يتقنها بحارة النضال الموسمي، فعندما تتم إعادة انتخاب أمين عام حزب أو نقابة أو رئيس برلمان كمرشح وحيد وأوحد، فالكل يعلم بأن ليس هناك ديمقراطية ولا شفافية ولا نزاهة، والكل يعلم بأن الأدوار مقسمة والغنيمة مقسمة في الكواليس وفي الليل قبل بزوع شمس النهار، وأن المهام تقتصر على أداء مسرحية هزلية كلما احتاجت الضرورة إلى ذلك على كراسي البرلمان الفارغة وعلى قنوات الصرف الصحي، في ذلك الحين يتمنى بعض الموظفين والأستاذة لو اشتغلوا مخازنية، لأنه بلا نقابة تكون الزيادة في الأجور مفاجئة ما بين ألف وألف وخمسمائة درهم دفعة واحدة وبأثر رجعي، في حين أن بعض النقابات تآمرت على تمرير قانون التقاعد المشؤوم عن طريقة الشنّاقة، وهمْ فرحون بتحقيق زيادة ضئيلة بئيسة حزقة لاروب في مدة تجاوزت عشر سنوات يتبعها أذى موازاة مع زيادة مضاعفة في الاقتطاع لفائدة صندوق التقاعد…
تأكد أن الحصانة والنفود والمال والريع الذي ستحصل عليه بطرق المكر والخديعة على تعب وتعاسة عباد الله المستضعفين لن يمنحك الشرف العظيم، ولن يحسن به أن ينفعك حينما يريد الله أن ينفذ مشيئته، وعمرك قصير مهما طال، لن تجد فيه متعة إلا بحفظ كرامتك، لربما هو ذات العذاب الحقيقي الذي تخشاه أو تفر منه، لكنك تتحرك بغريزتك لا بعقلك، لا تعاد من منحك الثقة ورفع شأنك، بل من الجيد أن تحافظ على أواصل الثقة، وحده الله هو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، وحده الله هو الذي يمنحك الكرامة والشرف والحصانة من شر العباد، تقرب إليه في كل الأوقات وتحسس رحمته في عافيتك وصحة أولادك ودويك ومن حولك، فمن تعلق برقاب العباد ذل وأرهق روحه، ومن تعلق بحبل الله عاش سعيداً وإن كابد مشاق الحياة.