الجريدة العربية – الأستاذ إدريس زياد
ساقتني معدتي الفارغة وقرقرة بطني المزعجة والمخجلة بشكل غريزي لأقرب مطعم للبيتزا، كنت كحال رجل تمت السيطرة على دماغه بالتنويم المغناطيسي، كان قريباً من مكان سكناي، مطعم ضيق لا يسع عدداً ولو قليلاً من عشاق البيتزا وقت الغداء، تجاهلت كل ذلك، فالمهم أن أجد ما يسد رمقي وأن أستجيب لتوسلات المعدة…
بعد عبارات الترحيب وكلمات الإطراء من صاحبه المتلهف للزبائن الجدد، نظرت إلى “الڤيترينا” وطلبت منه “بيتزا بالجبن الأحمر”، كانت على شكل مثلث يقف على أضلاعه الحادة، واصل صاحب المطعم ابتسامته المتصنعة وعبارات المدح والثناء قائلاً:” أتريد الأكل هنا؟
أجبته بأنني أريد أن أحمله وأغادر!
وضع الرجل غدائي في كيس وغادرت على عجل من جوعي، أخرجت ما يسكت معدتي وبدأت الأكل بنهم شديد، وبعد كل قضمة كنت أشرب من علبة الكاكولا الباردة، أخذت أمضغ الطعام في فمي وأحرك اللقمة بلساني وأقلبها من جهة لأخرى، كنت أشعر بإجهاد الفكين فالخبز كان ناشفاً، كانت حاسة الذوق تطارد طعم الجبن فلم تجده، أكلت من طرف البيتزا العلوي، فلم أجد الجبن، قلت: لعله وضعه في منتصفه السفلي، قضمت قضمة أخرى فلم أجده، حتى ظننت أن صاحب المطعم أخطاً فأعطاني رغيف خبز بدل “بيتزا بالجبن”…فتحت “البيتزا” المتهمة كطبيب فتح بطن مريضه، كانت قطع الجبن مبعثرة قليلة، بالكاد تُرى بالعين المجردة، وضعتها جانباً وأكملت شرب “الكولا”.
بعد ذلك يتسائل أصحاب المطاعم: لماذا ينفَضّ الزبائن من حولهم؟ ويدخلون في حالة إحباط بعد فشل مشروعهم.
البيتزا من طعام الرومان حيث تقع اليوم إيطاليا وتحديداً نابولي، البيتزا تكون على أصولها إذا كانت عجينتها رقيقة رشيقة القوام، وأُحسِنَ صُنع صلصتها الحمراء من الطماطم الطبيعية لا المصنعة (معجون الطمام)، ثم نُثرت فوقها شيئاً من الريحان والزعتر لتطيب تلك الصلصة فيستثير عبقها مكامن النفس، ثم تغطيها بما تحب من الزيتون الأسود الحدق والفليفلة الخضراء والحمراء وشيء من هذا وذاك مما تستطرف وتستظرف، حتى إذا ما اكتمل عرس المذاق والألوان أتممتها بذلك الجبن اللذيذ الطازج الذي يذوب القلب لمشهد ذوبانه فوق تلك الخلطة، وتكملها مرة أخرى بالريحان الذي يعطيك من رائحته ما يجعل قلبك يذوب عشقاً…
أما إذا كانت البيتزا من تلك التي تُحشى أطرافها بالجبن، ولا يتقنها إلا حاذق، فتكتمل بذلك الفرحة وتتمثل فيها اللذة الكاملة للخبز مع الجبن السائل الممغط كالمتمنع منك دلالاً وجمالاً، ولا يكتمل الحُسن فيها حتى تقطعها مثلثات وتمسكها بأطراف أصابعك فتتلمس نضارة تلك العجينة الملساء ومعها ذلك المهرجان الربيعي المبهرج المبهج، فإذا قضمتها وانساحت تلك النكهات والروائح الزكية في جوفك رأيت نفسك تطير فوق المراعي الخضراء وتتنفس من هواء الوديان المنتشي بالزعتر والريحان، هكذا تفهم البيتزا وتفهمك، وتكلمها وتكلمك، وتحبها وتحبك، هكذا نستطيع أن نسميها بيتزا.