
مخيمات تندوف.. حين تتحول “دولة الوهم” إلى بؤرة فوضى وعنف
الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *
لطالما كانت الشعارات الخادعة، التي يتغنى بها مؤيدو جبهة البوليساريو، بمثابة غطاء يُخفي حقيقة مريرة يتجنب الكثيرون الحديث عنها. لكن الأحداث الأخيرة بمخيم العيون جنوب تندوف، والتي شهدت مواجهات مسلحة بالذخيرة الحية بين عصابات تهريب المخدرات، أعادت كشف الواقع البشع الذي يعيشه سكان هذه المخيمات. إذ أُصيب المدنيون العزل بحالة من الرعب والذعر، وهم يختبئون في مساكنهم لساعات طويلة، في غياب تام لأي حماية من البوليساريو أو حتى الجيش الجزائري المرابط لبل نهار بالقرب من المخيمات. وبينما كان إطلاق النار يعم المكان، كان صراخ النساء والأطفال يتعالى في الهواء، في مشهد يعكس حجم المأساة المستمرة.

رئيس التحرير
ما حدث في تندوف لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان بمثابة مرآة تكشف هشاشة المشروع الانفصالي الذي تُسَوِّق له الجزائر عبر دعمها المتواصل للبوليساريو. هذه الأحداث المتكررة التي يتعرض لها الصحراويون في المخيمات تفضح حقيقة الكيان الوهمي الذي يُحتجز فيه هؤلاء البشر، تحت وطأة العنف والفوضى، دون أي أفق للخلاص. بيد أنه كان من المتوقع – فرضا – أن تشهد المخيمات نوعًا من الحماية الإنسانية أو على الأقل توفير الحد الأدنى من الأمن، لكن ما نشهده اليوم هو أن المخيمات أصبحت ساحة لتبادل العنف ومرتعة للجريمة المنظمة. ففي ظل غياب أي هيكل حقيقي لحكم القانون أو الأمن، يصبح السؤال الوحيد الذي يجب أن يطرحه العالم: هل هذه هي النتيجة الوحيدة لما يسمى بـ”حق تقرير المصير”؟
هنا، يجب أن نُدرك أن ما يروج له النظام الجزائري من دعم لـ”قضية” البوليساريو هو في الواقع ليس دعماً لحقوق الإنسان، بل هو مجرد جزء من لعبة سياسية خاسرة تهدف إلى إثارة الفتن وزرع بذور التوتر في المنطقة. فالجزائر، التي تدعي الدفاع عن حقوق الصحراويين، هي ذاتها التي تحول المخيمات إلى بؤر مملوءة بالمعاناة والفوضى، في ظل تواطؤ مع قيادة البوليساريو التي فقدت كل شرعية أخلاقية وإنسانية. وبدلاً من أن تكون الجزائر قوة داعمة للسلام والاستقرار في المنطقة، نجدها تساهم في تكريس وضعٍ مزرٍ، يُطيل أمد المعاناة ويزيد من تدهور الوضع الإنساني.
في المقابل، ما يزال المغرب يقدم نموذجًا حضاريًا واقعيًا لحل القضية الصحراوية، عبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. هذه المبادرة، التي يعرضها المغرب كحل نهائي لجزء لا يمكن الاستغناء عنه من أراضيه ، تسعى إلى تمكين الصحراويين من تدبير شؤونهم داخل إطار موحد، يضمن لهم الكرامة والحرية والتنمية. حيث يعكس هذا النموذج الرغبة الحقيقية للمغرب في تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، ليكون النموذج المغربي مصدرًا للإلهام لبقية دول المنطقة. بينما الجزائر تُواصل دعمها للمليشيات المسلحة والفوضى في المخيمات، يواصل المغرب استثماره في بناء مدارس، ومستشفيات، وبنية تحتية متطورة في الأقاليم الجنوبية، مما يعزز من إشعاع الصحراء المغربية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الوطن الأم.
إن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الإعلام الجزائري، الذي يتغنى بالحماس لـ”قضية المصير”، يعمُّ صمته عندما يتعلق الأمر بالكوارث التي تشهدها مخيمات تندوف. وكأن الإعلام الجزائري يُقر ضمنيًا بأن تلك المخيمات هي “منطقة لا صوت لها” أو “منطقة خارجة عن السيادة” عندما تتكشف الحقائق حول الوضع المزري الذي يعيشه الصحراويون في ظل طغيان البوليساريو. هذا الصمت هو اعتراف آخر بعجز الجزائر عن تقديم حل حقيقي لمشكلة الصحراويين، واستخفاف بالقضايا الإنسانية الحقيقية التي ينبغي أن تكون محل اهتمام في أي أزمة.
اليوم، أمام هذه المشاهد القاتمة والمأساوية في المخيمات، يجب على المجتمع الدولي أن يعيد قراءة المشهد بعين بصيرة. فلا يمكن للأمم المتحدة أو أي جهة دولية أن تستمر في تغذية الأوهام حول “حلول” وهمية تتجاوز الحقائق. لأن الحل الوحيد، الذي يتضمن كرامة الصحراويين واستقرار المنطقة، هو في دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تُعطي للإنسان الصحراوي المغربي مكانته في معادلة الحل، وليس مجرد ورقة في لعبة سياسية خاسرة تقودها الجزائر. يجب أن يكون هناك وقفة حاسمة ضد التصورات المضللة التي تُروج من بعض الأطراف، والعمل على إقرار حل واقعي ومنطقي يضمن لجميع الأطراف الاستفادة من الأمن والسلام.
إن ما يحدث اليوم في مخيمات تندوف يعكس مأساة حقيقية، يجب أن نتوقف عندها ونسائل أنفسنا: هل سنستمر في دعم مشاريع وهمية تؤدي إلى تدمير حياة الناس، أم سنقف مع الحل الذي يضمن للمغاربة الصحراويين مستقبلاً مشرقًا، ويُحقق الاستقرار للمنطقة بأسرها؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا جميعًا موقفًا حازمًا وواضحًا من أجل حماية الحقوق وتوحيد الصفوف في مواجهة الأجندات التخريبية التي لا تخدم إلا مصالح قليلة على حساب مصلحة الشعوب.