أخبار المغرب

الرباط تحتضن لقاءً وطنياً حول العقوبات البديلة: نحو عدالة جنائية أكثر إنسانية وفعالية

الجريدة العربية – الرباط

احتضنت العاصمة الرباط، يوم الأربعاء، لقاءً وطنياً للتواصل حول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، نظمه المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت شعار “العدالة في خدمة الإدماج: قراءة عملية في مسارات تنفيذ العقوبات البديلة”، بحضور وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، السيد الحسن الداكي.

وأكد المشاركون في هذا اللقاء أهمية هذا القانون باعتباره خطوة رائدة نحو إرساء عدالة جنائية أكثر إنصافاً وإنسانية، تسعى إلى إصلاح السلوك بدلاً من الاقتصار على العقاب، وتعزز إدماج المحكوم عليهم في النسيج المجتمعي.

وفي كلمته بالمناسبة، شدد السيد عبد اللطيف وهبي على ضرورة تكثيف التعاون بين مختلف المؤسسات المعنية لضمان تطبيق فعّال وسلس للعقوبات البديلة، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة تشكل بديلاً واعداً للعقوبات السالبة للحرية، وتفتح آفاقاً جديدة أمام إعادة إدماج المحكوم عليهم. وأوضح الوزير أن للقاضي صلاحية مطلقة في تحديد طبيعة العقوبة البديلة وحدودها وكيفية تنفيذها، داعياً في الآن ذاته إلى مرونة في التعامل مع الإكراهات اللوجستية، مثل إعداد تقارير مفصلة عن الحالة الاجتماعية للمحكوم عليهم. واستعرض وهبي عدداً من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، معتبراً إياها نماذج يمكن الاستفادة منها في التنزيل العملي للقانون.

من جهته، أبرز السيد الحسن الداكي أن العقوبات البديلة تمثل تطوراً في فلسفة العقوبة، حيث تنتقل من مجرد الردع والزجر إلى آلية للإصلاح والتأهيل، تمكن الجاني من استيعاب خطورة فعله دون عزله عن المجتمع. وأشار إلى أن حسن تفعيل هذه التدابير يعد مؤشراً حقيقياً على نجاعة العدالة الجنائية في التصدي للجريمة، كما يعكس تحوّلاً إيجابياً في السياسة الجنائية المغربية، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية، وروح الدستور، والمعايير الدولية ذات الصلة.

قانون 43.22: مقاربة جديدة في فلسفة العقوبة

يُعدّ القانون رقم 43.22، المدمج في كل من القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، نقلة نوعية في السياسة العقابية المغربية، حيث يتجاوز منطق السجن كخيار أوحد، ويتبنى رؤية حديثة توازن بين حماية المجتمع وتأهيل الأفراد. ويهدف هذا القانون إلى مواكبة التحولات الحقوقية العالمية، وتوفير بدائل حقيقية لإعادة الإدماج المهني والاجتماعي للمحكوم عليهم، بالإضافة إلى التخفيف من ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وترشيد النفقات العمومية.

وينص القانون على أربع أنواع رئيسية من العقوبات البديلة: الأشغال ذات المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير وقائية أو تأهيلية أو علاجية، وأخيراً عقوبة الأيام-غرامة. ويُستثنى من تطبيق هذا القانون كل من صدرت في حقه عقوبات سالبة للحرية تتجاوز خمس سنوات سجناً نافذاً، أو الحالات التي لا يتحقق فيها الهدف الردعي نتيجة العود.

وقد تضمن اللقاء جلستين علميتين ركزتا على الإطار المفاهيمي للعقوبات البديلة من منظور النص القضائي والاجتهاد، والتحديات العملية المرتبطة بتفعيل هذه الأحكام، خاصة ما يتعلق بضرورة تكامل الأدوار بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين.

ويكرس هذا اللقاء الوطني استعداد السلطة القضائية لتفعيل مضامين هذا القانون الطموح، الذي يمثل لبنة أساسية في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمملكة، ويضع الإدماج في صلب العمل القضائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى