سيرة ذاتية : عبد السلام المؤذن أمير الشهداء السراغنة .
الأستاذ إدريس زياد
عبد السلام الموذن المفكر والمنظر والكاتب والمناضل من مواليد مدينة قلعة السراغنة، تلقى تعليمه الإبتدائي والإعدادي بنفس المدينة، ثم الثانوي بمدينة مراكش، أكمل تعليمه العالي بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط حيث وجد نفسه وسط معارك ونقاشات الحركة الطلابية التي يؤطرها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب والتي كانت مشتعلة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عبد السلام المؤذن المؤسس للتجربة في اليسار المغربي وأحد القادة الميدانيين الأساسيين لمنظمة 23 مارس، إنه التحدي والصمود الذي يزاوج بين الإجتهاد السياسي والفكر النظري والقيادة الميدانية في الحركة، عبد السلام المؤذن تجربة نضال أعطت صوراً إيجابية وطموحات معرفية رفعت من قيمة الثقافة والفكر اليساري المغربي، كان من المؤسسين الأوائل للحركة الماركسية اللينينية وأحد قيادييها البارزين، كان يتحلى بشجاعة الرأي والتعبير عن الموقف بدون التباس أو مراوغات، كان واضحاً في طرح أفكاره التي يقتنع بها، ويعتبر أن الراسمالية المغربية هي أصيلة وأن شكلها التبعي هو لاحق ولذلك لا يرى القضاء على الرأسمالية التبعية إلا كعملية تغيير شكل الرأسمالية المغربية وإرجاعها إلى شكلها المتحرر من التبعية، وهذه الرؤيا لها تبعات استراتيجية هامة عند النظر إلى قضية الصراع الطبقي ومسألة الديمقراطية، ويعتبر عبد السلام المؤذن من المثقفين القلائل الذين قدموا دراسة علمية في موضوع الطبقة العاملة…
عُرف عبد السلام المؤذن باسمه المستعار الرفيق بومارس في منظمة 23 مارس السرية، احتفظ بهذا الاسم المستعار واستعمله في التوقيع على بعض مقالاته، وحضر بنفس الاسم في بداية السبعينيات من القرن الماضي في ندوة ربيع 1974 التي انعقدت في الدار البيضاء، شهوراً قليلة قبل حملة الاعتقالات الواسعة التي كان من بين ضحاياها، ثم انخرط فيما بعد في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من مداهمة مقر قيادة 23 مارس في الدار البيضاء، حيث جرى اعتقاله ورميه في المعتقلات السرية، ورأى رفقة المعتقلين من رفاقه مختلف أشكال التعذيب الوحشي قبل تقديمهم للمحاكمة، فحكم عليه بالسجن 32 سنة نافذة، قضى منها 14 سنة، قبل أن يستفيد ضمن مجموعة من معتقلي اليسار من عفو ملكي سنة 1989، كانت معاناة عبد السلام المؤذن مع التعذيب النفسي أشد وطأ ومرارة أثناء فترة اعتقاله لا يخفف منها إلا شغفه المعرفي…
في السجن انكب عبد السلام المؤذن على دراسة المؤلفات الماركسية وحاول فهمها في أصولها، وقادته هذه التجربة إلى تعلم اللغة الألمانية داخل أسوار السجن حيث شرع في قراءة كتب وكتابات كارل ماركس وفريديرك إنجلز بالألمانية، وخاصة الرأسمال الذي تحولت قراءته إلى محنة، تطلبت منه مزيداً من الصبر، وهو العناء الذي لم يكن يخفيه عبد السلام المؤذن المتجلي في حرمانه من حريته وضياع جزء من حياته وشبابه، وتقديمه ورفاقه من المعتقلين السياسيين اليساريين قرابين وضحايا القمع والاعتقال الظالم الذي رافقه الكثير من التعذيب والمعاملات اللاإنسانية في المعتقل السري السيء الذكر درب مولاي الشريف وفي غياهب السجون وعلى الخصوص السجن المركزي بالقنيطرة، ثم كذلك عناء القراءة والكتابة والتأليف وتعلم اللغات في السجن، ومن بين مؤلفاته، الزنزانة 28 و مقالات من بعيد فبتواضعه المعرفي وبانشغاله بالقضايا والإشكالات الكبرى لليسار، خاصة مفهوم الطبقة العاملة ووضعية الكادحين في المجتمع المغربي، استحق محبة رفاقه التي تبقى فوق أي اعتبار…
بهذا السؤال أنهى مقالته الزنزانة 28
متى سأخرج من السجن؟
“إن علم ذلك عند أصحاب الأمر والنهي، وبصفتي بشراً، فإنني ككل البشر المسجونين مشتاق شوق كل العشاق إلى تلك اللحظة التاريخية التي أتوحد فيها مع المرأة والجبل والبحر، أما ما أعلمه شخصياً، فهو أن في قلبي وجسدي خزان من الطاقة الهائلة التي تمكنني من الصمود سنين طويلة إذا لزم”
قضى عبد السلام المؤذن 14 سنة معتقلاً سياسياً دون أن يكل أو يمل من الكتابة والإبداع ظل يبحث ويجتهد ويكتب ويحاضر مهموماً بأمل الثورة الوطنية الديمقراطية، متشبعاً بالفكر الثوري، ومتفاعلاً مع الاستنهاض الثوري في العالم، منها انطلاق الثورة الفلسطينية، انتفاضة الحركة الطلابية في أوروبا، انتصارات الثورة الصينية ونجاح الثورة الفيتنامية، الشيء الذي دفعه إلى تمثيل الحركة الشيوعية، والدفاع عن الطبقة الكادحة والطبقة العمالية مع منظمة “23 مارس”.
بعد الإفراج عنه رفقة مجموعة من رفاقه المعتقلين السياسيين بموجب عفو ملكي، التحق عبد السلام المؤذن بالعمل في جريدة أنوال والتي كان مقرها بمدينة الرباط، حيث كان يكتب منتقدا لأجل الإصلاح والتغيير، وعن الديمقراطية، وعن تغيير الدستور، وفي يوم الخميس 19 مارس 1992 تم اختطافه من أمام منزله بمدينة الدار البيضاء وهو في طريقه إلى محطة القطار للالتحاق بعمله بمقر جريدة “أنوال” بالرباط، تم التنكيل به وتهديده بالتصفية الجسدية، وبعد ساعات تم الزج به في واحة خلاء قرب مدينة مراكش، وقع ذلك عقب أيام فقط على مقال رأي كتبه عبد السلام المؤذن عن سطوة وزير الداخلية إدريس البصري*، كما طالب أيضاً بمحاكمته باعتباره يمثل رمزاً من رموز القمع والتزوير والفساد في تاريخ المغرب، حدث ذلك في وقت لا أحد من أصحاب اليمين ولا أصحاب اليسار كان بمقدوره أن يقول كلمة نقد ولو بالإشارة في وجه *إدريس البصري
في يوم 5 نوفمبر 1992، وبعد أشهر قليلة على اختطافه، جاء خبر وفاة عبد السلام المؤذن في حادثة سير غامضة ومفجعة بمنطقة بوقنادل بين سلا والقنيطرة، وخلفت وفاته حزناً بالغاً وعميقاً في أوساط عائلته ووالدته ورفاقه، وكان الموت المفاجئ للشهيد عبد السلام المؤذن خسارة لكل المناضلين والشرفاء والفكر التقدمي بالمغرب، رحم الله الشهيد عبد السلام المؤذن وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين .