منتديات طاطا الثقافية….نقطة نظام
الجريدة العربية
في ظرف ما يقارب الشهر من الزمان شهدت طاطا انعقاد نشاطين ثقافيين، أحدهما من تنظيم جمعية ذات طّابع حقوقي، والثاني من تنظيم جمعية مهتمة بالشعر الكائن مقرّها بمرّاكش، وكانت طاطا قد شهدت في السنوات الأخيرة أمثلة عديدة من مثل هذه الأنشطة الإشعاعية التي تبدو للعين والفكر المجرّدين أنّها أنشطة هادفة وذات مردودية تنموية، ولكن بشيء من التمحيص سوف يتجلّى أنها ترمي إلى تحقيق غايات مسكوت عنها من لدن منظّميها، الشيء الذي يحزّ في نفوس أبناء هذه المنطقة الغيورين على بلدتهم، خلاصة القول أنّ الجمعية المقتدرة الساعية إلى المصلحة العامّة يتعيّن عليها أنْ تبتعد كثيرا عن معمعة المهرجانات والملتقيات الاستعراضية التي يصدق عليها المثل العربي القائل ” جعجعة ولم أر طحينا “، وإلاّ فإنّ النواعت ستشير إليها بما لا تحمد عقباه.
1- فالجمعية الحقوقية يطرح أمامنا شعارا لنشاطه الإشعاعي تحت عنوان “من أجل تثمين تراث الواحات”، ودعا إلى ندوته العلمية مجموعة من المتخصصين والمهتمّين بالتراث المادّي واللامادّي، كي يشخّصوا معضلة من المعضلات التي تواجهها التنمية في الإقليم، وهي معضلة إدماج التراث في التنمية، وقد دأبت جميع الأنشطة التي انعقدت في طاطا والشبيهة بهذا النشاط على الخروج بالعديد من التوصيات تسوّد بها الأوراق وتتلى على المسامع، ولكن ما أن يسدل الستار على أشغالها حتى تعود دار لقمان إلى حالها، ومن تمّ يُطرح التساؤلُ لدى المواطن عن الهدف من طرح هذا الموضوع للنقاش، إذا كانت الأمور تنتهي عند مجرّد الكلام المنمّق والترافعات والتوصيات التي لا طائل من ورائها، فكل الجمعيات التي طرحت هذه إشكالية توظيف التراث تعود إلى مقراتها وهي متظاهرة بأنها منتشية بأهمية ما قامت به لصالح المنطقة، وقد دلّت الإحصائيات على الصعيد الوطني أنّ الانتشاء الحقيقي عند العديد من البيروقراطيين الجمعويين غالبا ما يتعلّق بالريع أو الفائدة المادّية التي حققوها لمصلحتهم، إنّ صيانة التراث لا يحتاج إلى كثير من اللغط والهرج على كل حال، فهو يحتاج إلى تنزيل حقيقي للتوصيات وإلى عمل ميداني تتظافر من أجل تفعيله كلّ مكونات المجتمع الرسمي والمدني، والغريب أنّ بعض العملّيات التي نحتاج إليها لتثمين التراث وصيانته لا تحتاج إلى كثير من الأموال والاعتمادات ومع ذلك يتمّ التغاضي عنها، وقد لا تكلّف الجمعية المنظّمة للنشاط الإشعاعي نفسها في مزاولة واجبها في التتبع، ممّا يعطي الانطباع بأنّ هذه الجمعية – في شخص مسيّريها – لها هدف واحد وهو استيفاء وتنفيذ الميزانية المخصصة بعيدا عن المساءلة والافتحاص.
2- أمّا الجمعية المهمتمة بالشعر فنشاطها يرمي في الأساس إلى تخليد اليوم العالمي للشعر، وهو سلوك دأبت عليه جميع الجمعيات التي تهتمّ بهذا التراث الإبداعي الذي يزيّن ياقة المجتمعات البشرية، وذلك من خلال دعوة المبدعين والنّقاد إلى موائد وندوات وأمسيات لإبراز دور الشعر في التنوير، وبما أنّ هذه الجمعية شدّت الرحال من مراكش إلى طاطا للقيام بهذا الدّور فإنّها مطالبة باستنفار آلية هذا الإقليم ودعوة أبنائها الشغوفين بالكلمة الشعرية ودورها في تخليق مجتمع الواحات، لكنّ – ومع كامل الأسف – فاجأنا الملصق الذي أعدّته الجمعية بما يمكن تسميته بنوع من الإقصاء غير المبرر:
أولا: إقصاء لأعمدة الإبداع الشعري والنقدي في المنطقة مكتفية بشاعر واحد تمّ تكريمه، فقد جاءت الجمعية بعدد من الفاعلين منهم من زار طاطا لأول مرّة لكي تومئ لساكنة مدينة طاطا بالتفاتة أقلّ ما يمكن أن يقال عنها بأنها مبادرة لكي تعلّم حسن السلوك الإبداعي، وكأنّ أبناء طاطا لا يعرفون مفهوم اليوم العالمي للشعر ولا يعرفون الأدوار التي يقوم بها الشاعر في المجتمع، وقد نلتمس العذر لمكتب الجمعية بحكم أنّه ليست لديه دراية أو معلومات عن ألية الإبداع الشعري في ربوع منطقة باني، ولكنها وبما أنها قد نسّقت مع مصالح وزارة الثقافة بجهة سوس ماسّة، فمن اللازم أن يصلها بصيص من الأخبار عن الظاهرة الشعرية وخصوصياتها بالإقليم، فالإقليم يتوفّر على سجلّ ضخم من الإبداع الشعري بحكم تعدد إثنياته الثقافية، فهناك هالة الشعر الأمازيغي المسيطرة على ميادين الحوار الشعري بفنون أحواش إضافة إلى القصيدة الحديثة التي صدرت بصددها دواوين، وهناك هالة الشعر العربي المعقلي النبطي المتمثل في قصائد وحواريات فنون أولاد جلّال والدوبلاليين والتي يتردد صداها في جنبات باني، وهناك هالة الشعر العربي الفصيح التي نبغ فيها شعراء أفذاذ في منطقة طاطا، ولكنّ المعضلة الأساسية هي أنّنا يحدونا الشّكّ في أنّ القائمين على شؤون الثقافة في إقليم طاطا قد يتوفّرون على هذه المعلومات، لأنه لو توفّر لهم مقدار من هذه المعرفة لما وقع منظمو هذا النشاط الإشعاعي في زلّة الإقصاء.
ثانيا: إقصاء لمظهر من مظاهر الثقافة في إقليم طاطا وهو الحضور القويّ لللغة الأمازيغية، فالملصق لا يحمل أية إشارة إلى هذه اللغة في شخص رموزها المتمثلة في أبجدية تيفيناغ، هذه الحروف التي صادق عليها عاهل البلاد وتمّ اتخاذها كأداة لكتابة اللغة الأمازيغية، وهذه الرموز التي نقشت على الصخر منذ فجر التاريخ، فباستثناء الاحتفاء بالشاعر الأمازيغي عابد أوحمييد، تمّ تغييب رموز لغتنا الرسمية الثانية، وكأنّ المنظّمين يتجاهلون ما نصّ عليه القانون التنظيمي الخاصّ بتفعيل إدماج اللغة الأمازيغية في الحياة العامّة للمواطن المغربي، فإذا كان بيت الشعر مغربيا حقيقيا فالأحرى أن يستجيب لمكونات الشعب المغربي الثقافية وإلا نُعت بالتمييز العنصري ونحن في عصرنا في غنى عن إطلاق مثل هذه النواعت إذا أردنا أن نبني مغرب الغد.