النظام الجزائري من الاستبداد إلى الديكتاتورية و الصورة اللامعة ماهي إلا ” عكر فوق الخنونة” .
بوحافة العرابي* – الجريدة العربية
يلاحظ معظم المتتبعين و الخبراء بالمسائل الجيوسياسية في العالم , التحول القمعي الواضح لنظام الحكم بالجزائر . إلى حد أن الكل أجمع الحديث ، ولأول مرة ، عن ترابط وثيق بين مفهوم السلطة و “الديكتاتورية” , فيما يتعلق بدولة تمكنت حتى الآن من إظهار حياة تعددية معينة وواجهة مدنية كانت دائما تحت تصرف القوات المسلحة , التي تسيطر على الجزء الأكبر من السلطة .
و أشارت الأكاديمية داليا غانم مؤخرا إلى أن “النظام الجزائري لم يكن ينوي أبدا التحول إلى الديمقراطية” . كما يعتقد الباحث الجزائري مولود بومغار في مقابلة نشرت بصحيفة “لوموند” الفرنسية , أن “النظام تغير في طبيعته” خوفًا من أن يعرض الشارع بقاءه للخطر . في هذا المقال القصير نقترح مقتطفين (سؤالين) من هذه المقابلة المفيدة للغاية .
مولود بومغار ، أستاذ القانون العام بجامعة بيكاردي جول فيرن و هي جامعة تقع في أميان بفرنسا ، عمل بشكل خاص على بناء مفهوم العدو في القانون الجنائي الجزائري وآثاره على تقييد الحريات .
كيف يمكن اليوم وصف النظام الجزائري , و هو الذي يعيش دائما في فلك تصعيد أمني ؟
“إنه نظام استبدادي أكثر من ذي قبل . لقد كان في السابق سلطويًا ، لكن مع فسحة للحريات . أما اليوم , فقد دخلنا مرحلة ديكتاتورية صرفة لعدة أسباب , نذكر منها على سبي المثال لا الحصر : التشكيك في التعددية ، والاستغلال السياسي و الاتهام بالإرهاب على نطاق واسع للغاية , لخلق سياق سياسي يتسم بالعسكرة والشوفينية المحافظة المفترضة .
- أولاً ، التعددية الحزبية ، التي كانت و ما زالت شكلية , ولكن كان لها نوع من الإرساء [في الحياة السياسية] ، بالكاد يتم التسامح معها . هناك تساؤل تدريجي حول هذه التعددية من خلال إجراءات الحل التي بدأت ضد العديد من الأحزاب والجمعيات السياسية . كما أننا نشهد ضغوطًا شديدة جدًا تمارس على وسائل الإعلام المستقلة . بالنسبة للنظام ، يجب أن تخضع وسائل الإعلام الحرة هذه أو تختفي . هذا هو العنصر الأول الذي تبني عليه الديكتاتورية السلطوية في الجزائر مفهومها الوجودي .
- العلامة الثانية لهذا التغيير في طبيعة النظام هي مراجعة التشريعات المتعلقة بالإرهاب . هذه المراجعة “تثري” ترسانة تشريعية قمعية مستخدمة بالفعل على نطاق واسع في سياق القمع المستمر ، مع عدة مئات من سجناء الرأي وعدد كبير من المحاكمات الجنائية , وغيرها من أشكال الحظر على مغادرة البلاد لأسباب سياسية بحتة .
السلطة تتهم معارضيها بأعمال إرهابية ، لماذا ؟
في يونيو 2021 ، تمت مراجعة المادة 87 مكرر من قانون العقوبات ، التي تحدد جريمة الإرهاب ، بأمر رئاسي . حيث قدمت هاته المراجعة , عنصرين جديدين بين الحقائق التأسيسية . الأول هو “العمل أو الحث ، بأي وسيلة ، للوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية” . وهذا لا يعني وسائل غير دستورية أو غير ديمقراطية ، ولكن يعني ببساطة الوسائل التي لا ينص عليها الدستور . على سبيل المثال , إذا دعا شخص إلى انتخاب جمعية تأسيسية ، فهذا غير منصوص عليه في الدستور على سبيل المثال . إنه نداء غير دستوري إذن , هو مخالف لما تمشي عليه المرجعية السلطوية لبنية الدولة في الجزائر , ( و إن كان الأمر برمته حقا ديموقراطيا ) . هنا يمكن لهذا الشخص أن يقع تحت تهمة الإرهاب .
إن الصورة التي تعيشها الجزائر اليوم , لا تكاد تختلف عما كانت عليه في الأزمنة السابقة , سواء إبان العشرية السوداء , أو خلال فترة التحرر أو حتى حينما كانت ترضخ لفرنسا و الدولة العثمانية , و من قبلهما الخضوع التام لسلاطين المغرب خاصة في عهد المرابطين و من بعدهم الموحدين . ما فتئت تلبس رداء المؤسسة المدنية التي لا تعترف بالحريات العامة . و أبانت غالبا على حقيقة واحدة , مفادها أن السلطة بالجزائر هي نظام مترهل متواكل على مؤسسة العسكر التي لا تسمح بإظهار الرئاسة إلا في رداء المغلوب على أمره , بيد أن الإعلام المحلي يوظف لغته في إبراز قصر المرادية على أنه هو من يتحكم في سياسة البلاد , و أن الرئيس هو الذي يقرر في كل صغيرة و كبيرة , في حين أن ديدن الحقيقة , لا يكاد يفرق أصابع “لعساكرية” عن ألة عزف مقطوعة القمع و تلفيق التهم جزافا لمن تسول له نفسه مس جنون عظمة الجنرالات .