إرهاصات فكرية للأستاذ إدريس زياد …
وصال الأحبة : الحب كلٌّ عجيب و درب خصيب ، ترى و لا ترى ، و تدرك فيه ما وراء الورى ، فليس مثلك كأنت ، لن ترتويٙ مهما نهلت ، و لن يبصر قلبك مهرولاً أمام عينيك إلا أنت ، تنام ساخطاً و تصحو راضياً ، تشرئب للجمِّ من الحديث ، و ترضى بكلمة عارضة ، تهفو للقاء لا يبين و تذعن للحظة سلام كل حين ، و كأنه ابن روحك عهدته بالرعاية و ضممته بالقناعة لا بالغواية ، كلما زادٙ حيّرك و كلما حيّرك أغدق عليك فلا نكوصٙ بعد و لا خذلان …
الحب طوفان هادر لا يأبه بغير الغواصين ، قربانه شوق و حنين ، الحب هو أن ترى ألف أنثى و لا تعجبك إلا التي تحب و العكس صحيح ، الحب أن تستيقظ أمام نفس الوجه لردح من الزمن فتبتسم كأنك تراه للمرة الأولى ، الحب جميل ، و هو مرتبط بإحساس يجعلك تميز شخصاً يصبح نبضك مرتبط به ، مزاجك منوط بسلوكه ، و كل ما بك يهتف باسمه .
سُئل محب عن ألم الحب فقال : " الحب لا يؤلم …ثم بكى … "
التكلس في المشاعر و النضوب في العواطف في العلاقة بالمرأة ككائن جميل و رقيق يزين أيامنا البئيسة ، و يخفف من عذاباتنا الجامحة ، حيث يبقى الإنسان إنساناً أولاً و أخيراً ، له حيز كبير من الحب و الشوق و العاطفة في حياته …
لم يترك الأحبة العناق و القبلات و الملامسة كلغة مودة و رحمة و حب و طمأنينة و سلام ، و هي دليل شوق و محبة ، لكن حينما أطل فايروس كورونا اللعين ، صارت الأيادي مغلولة لا تمتد لملمس ، و الأعناق مشلولة لا تلتقي لعناق ، و الشفاه مربوطة لا تمتد لقبلات ، فإذا عطس المحب فر الحبيب من حوله ، أو نظر إليه نظرة لوم و تقريع ، و إذا لامسه رذاذ من يمين ولّى وجهه شطر الشمال و هو في ذلك معذور …
ينتهي التعبير عن الحب ، و يستمر الكلام في الحب ، تنتهي اللحظات الأولى و يختفي الجمال الأول ، تستوي أعمارنا إلى سدرة النضوج فنتغير ، سنة بعد سنة ، تبقى الخيالات رطبة جذورها ، و تجف الأغصان قبالة الريح و المحن، يختفي الاستمتاع على كلمات أغاني العشق ، ليصبح طرباً على أنغام ألحانها ، تنتهي الكتابة التي تنقل وَلَهَ القلب ، و تبدأ الكتابة في طلبات الدعاء للأولاد و الأحفاد ، هكذا فجأة يصبح الحب روتين حياة …
أنظر لكل حبيبين فأرى نهاية في أفق مقبرة الاستمتاع ، و ربما لا …و أرقب جمالاً في القدر إذ يبقى الاستمتاع حياً ، و ربما نعم .