هل حكم الأكثرية أو الأغلبية هو تَنزِيلٌ مقدس ومطلق لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ لا مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ !؟

الجريدة العربية – *ذ. عبدالله مشنون

لمــا سألـت عن الحقيقة قيــل لــي      الرأي مــا اتفـق السـواد عليــه
فعجبت كيف ذبحت ثوري ضحى        والهنــد هنــاك سـاجــدة لديـــه
نرضــى بحكـم الأكثريــة مثلمـــا        يرضى الوليد الحكم من أبويه
أمـــــا الغنـــم يرتجيـــه منهمــــا            أو خـوفــا مـن أن يســاء إليـه

أبيات للشاعر اليا أبو ماضي من شعراء المهجر في القرن الماضي يعبر فيها عن رأيه من حكم الأغلبية وهو الذي هاجر إلى أوروبا وشهد ميلاد العديد من الأنظمة التي كانت تعتمد الانتخابات وانبثاق الحكومات من الأحزاب الحاصلة على أكبر نسبة من النتائج عكس ما كان يقع في بلده الأم ولازال من تكريس لهيمنة ميلشيات وفصائل تستبد بالحكم وتجثم عليه.

إن الحديث عن الأقلية والأغلبية ليس قدحا في الخيارات الديموقراطية المعاصرة لبلدان عديدة بل هو قراءة وبحث عن القيمة المعنوية وليست القيمة التي تكونها أغلبية ما، هذه القيمة التي تعطي لعمل هذه الكتلة معنى وتقرب الأهداف والرؤى وذلك باتساقها وتمازجها وتشكيلها لقوة خلاقة تعمل للصالح العام ولا تكون قوة لتمرير برامج وأفكار وأهداف لا علاقة للمواطن بها.

كما أن الأغلبية عندما تختلف لدى أفرادها المستويات المعرفية والدربة على العمل في تكتلات قد يكون ذلك مبعثا لأن يصير بعض الأفراد تبعا لبعض يرددون ما استأثرت به القلة المسيطرة والمرجحة لهذه الأغلبية.

ويردنا للحديث عن الأقلية والتي قد يتم ابعادها استشارة وعملا عن المشاركة في التسيير والتشريع على الرغم من أنه قد يوجد بين أفرادها من هم أقدر وأشد كفاءة ممن يتواجدون في الصفوف الأولى من الأغلبية، والذين قد يكون وصولهم إلى تلك الصفوف بوسائل غير سليمة وطرق غير متفق عليها.
إن بعض تجارب الأغلبيات الواصلة إلى مدة الحكم من الوطن العربي انما هي أغلبيات صورية تصفعهما الأنظمة وتفصلها تفصيلات لتكون في خدمة الحكام على غرار ما سنشهده في الجزائر مثلا فإن الأغلبية المشكلة في البرلمان لا صوت لها وأثر في السياسة الداخلية والخارجية إنما هو جزء من الأثاث العام الذي تدعي به الجزائر أنها دولة ديمقراطية تحترم القوانين وتمارس فيها المؤسسات دورها بكل حرية وشفافية.

فلا صوت يعلو فوق صوت تلك القلة الجاثمة على الحكم في الجزائر وعلى مقدرات الشعب الجزائري والتي تبددها يمنة ويسرة في سبيل التشغيب على تنمية وازدهار المغرب، وتسعى للنيل من وحدته الترابية عبر انشاء وتدريب وتسليح مجموعة من الإرهابيين وشذاذ الافاق الحالمين بإنشاء دولة الوهم فوق أراضي الصحراء المغربية.

وعودة الى الحديث عن الأغلبية والأقلية من منظور ديني.

يستعمل البعض عبارة بمثابة مرجع تقول: هذا ما تقول به، أو تعمل به، أو تفعله، أو تتبعه؛ أو تسير عليه ووفقه؛ الأكثرية أو الأغلبية..!
يقول تبارك وتعالى في سورة البقرة: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.)

نحن أفراد الجالية المغربية في الخارج؛ فئة قليلة جدًا؛ وفي الدفاع عن قضايا بلدنا؛ والمرافعات من أجل نصرة قضية وحدتنا الترابية؛ والتصدي لكل ما من شأنه المس بها؛ نشكل الغلبة بإذن الله.
المغالطات المنطقية في مفهوم الأكثرية؛ أي الذين يشكلون الأغلبية الكبرى في المجتمعات، من بين الشعوب والأمم؛ والتي تكاد تسحق الأقلية؛ وتفرض عليها فلسفتها وأيديولوجيتها وقراراتها وتصرفاتها وهيمنتها بشكل تعسفي.

هذه الأكثرية وصفها القرآن الكريم بأبشع الصفات، ومنها: الكفر والجهل، والضلالة، والشرك بالله، والغفلة؛ وعدم الإيمان والفسق والبغي، وعدم تمتعها بدرجة عالية من العقلانية والعلم، وعدم الاصغاء والسمع؛ وانعدام البصيرة، والإعراض عن الحق والكراهية والعداء له، ومسكونون بالشكوك والظنون ولا يشكرون النعم؛ إلا القليل.

هذا الوصف الواضح والصريح نجده في العديد من الآيات الكريمة:

و بالتالي تشكل الأقلية فريقًا قليلًا جدًا؛ وصفهم الله عز وجل بعباده الْمُؤْمِنِين الشكورين :

والخلاصة : أن مفهوم الأكثرية والأغلبية ؛ الذي يستعمل كسلاح ضد الأقلية؛ ليس دائمًا على صواب .


*كاتب واعلامي من مغاربة العالم – و مدير المنصة الإعلامية ( إيطاليا تليغراف )

Exit mobile version