أعمدة الرأي

هشام مداحي.. يكتب عن “نحو فهم للعولمة الثقافية “

الجريدة العربية

يُعَد كتاب “نحو فهم للعولمة الثقافية” للمؤلف بول هوبر من الأعمال التي تتناول موضوع العولمة الثقافية بعمق من خلال سبعة فصول رئيسية تعكس الجوانب المختلفة لهذه الظاهرة المعقدة والمتشابكة. يبتدئ الكتاب بتتبع تاريخ عمليات العولمة الثقافية، لينتقل بعدها إلى مناقشة طبيعة الثقافة وكيفية انتقالها. وفي فصوله المتوسطة، يركز على دور الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في تشكيل الثقافة، ثم يستعرض إمكانية نشوء ثقافة عالمية وما يرافق ذلك من تحديات تواجه الثقافات الوطنية. يناقش هوبر أيضًا علاقة العولمة بالصراعات الثقافية قبل أن يختم ببحث إمكانية نشوء ثقافة كوزموبوليتانية.

يشير الكتاب إلى أن العولمة الثقافية ليست ظاهرة بسيطة يمكن تفسيرها بسهولة، بل هي متعددة الأبعاد وتتأثر بسلسلة من القوى المختلفة. يعرض هوبر ثلاث موجات رئيسية في تحليل العولمة: الأولى ترى في التغيرات المعاصرة مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي وانهيار الحدود، بينما الثانية ترفض هذه الفكرة وتعتبر العولمة امتدادًا للرأسمالية. أما الموجة الثالثة، فتؤكد الطبيعة التحويلية المعقدة للعولمة وتأثيرها على المجتمعات، مع التركيز على العوامل البشرية.

يشدد هوبر على أهمية اتباع منهج متعدد التخصصات لدراسة العولمة، نظرًا لتداخلها مع مجالات معرفية متعددة مثل علم الاجتماع، الاقتصاد، والعلاقات الدولية. يشير إلى أن بعض المقاربات الأكاديمية لا تفي بتفسير هذه الظاهرة بشكل كافٍ، فبينما يغفل علم الاجتماع البعد الثقافي، تنتقد الدراسات الثقافية المقاربات الاجتماعية التقليدية.

يلفت الكتاب الانتباه إلى عدة عوامل رئيسية ساهمت في تشكل العولمة الثقافية عبر التاريخ، منها الهجرات البشرية المبكرة ووسائل الإعلام، ظهور الأديان العالمية مثل الإسلام والمسيحية والبوذية، قيام الأنظمة الإمبراطورية الأولى مثل الإمبراطورية الرومانية، التعليم المتطور، تطور الهويات، شبكات السياسات العالمية، شبكات التجارة عبر القارات مثل طريق الحرير، وانتشار الكتابة.

تعتبر الثقافة، كما يوضح هوبر، عملية ديناميكية مستمرة تتشكل من خلال شبكات متعددة ومتداخلة من المعاني. رغم أن الناس يميلون للحفاظ على ارتباطهم بثقافات محددة لفترات طويلة، فإن هذه الثقافات تتغير وتتأثر بالتحركات الحديثة للناس، ما يؤكد طبيعتها غير الثابتة. يشدد هوبر على ضرورة عدم المبالغة في تأكيد حركية الثقافة، داعيًا إلى البحث في كيفية استقبال وممارسة التدفقات الثقافية.

يتناول الكتاب تأثير العولمة على الهوية الثقافية، حيث تُشير بعض النظريات إلى أن التدفقات الثقافية العالمية تضعف الهوية القومية، لكن هوبر يؤكد أن الثقافات القومية لا تزال مرتبطة بالهوية والانتماء لدى الأفراد. ويشير إلى أن التواصل الثقافي المعزز بالتكنولوجيا والهجرة يسهم في نشر ثقافة كوزموبوليتانية، على الرغم من أن هذه العملية كانت تقليدياً مقتصرة على النخب.

في الختام، يبرز الكتاب أهمية دراسة العولمة الثقافية بمنهج متعدد التخصصات يأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المتبادلة بين الثقافة والاقتصاد والسياسة. إن العولمة ليست عملية موحدة بل متعددة الأبعاد، تتشكل بناءً على التاريخ والظروف الخاصة بكل مجتمع. توفر دراسة التدفقات الثقافية إطارًا مفيدًا لفهم تأثير العولمة على الثقافات المحلية والعالمية، مع التأكيد على ضرورة البحث في كيفية استقبال وممارسة هذه التدفقات. يعزز الكتاب فهمنا للتفاعل والتواصل بين الثقافات، مما يسهم في تطور الهويات وتشكيل ثقافة كوزموبوليتانية شاملة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....