عالم المهجر

محنة الهجرة , و الفصول الأربعة لمسرحية المعاناة …

فريد أشقدي .

بقلم : فريد أشقدي

إذا كنت تعتقد أن المهاجر عندما يصل إلى وجهته تنتهي قصته مع القارب و مع المشاكل و الفقر فأنت مخطئ ؛ المهاجر عندما يصل الى وجهته يترك ذلك القارب الذي ساعده في الهروب من وطنه و يركب قارب اخر من اجل ان يبحر في بحر الحياة في المجتمع الجديد ، كل يوم يرمي صنارته لكي يصطاد تلك الحياة التي غامر بروحه من اجلها لكن صنارته أحيانا لا تصطاد سوى البؤس و المعاناة و الامراض النفسية ، لكن رغم هذا يظل المهاجر يكافح و يرمي صنارته لمرات عديدة و يبقى على هذا الحال لسنوات طويلة و عندما يصطاد القليل من الحياة يجد نفسه خسر شبابه و عائلته و أشياء عديدة بسبب الانتظار …
هذه هي محنة الهجرة .

يمر المهاجر في المجتمع الجديد من أربعة مراحل :
المرحلة الأولى : فهي مرحلة الفضول والفرح مدتها قصيرة جدا مجرد أسبوع ، تتمثل في اللحظة الأولى التي يصل فيها المهاجر الى المجتمع الجديد حيث يشعر في البداية بالفرح و الانبهار بالحضارة الغربيّة، وبالمجتمع الغربي ، كما ان المهاجر في هذه المرحلة يأمل بالنجاح وتحقيق الطموحات والأحلام .

المرحلة الثانية : مرحلة الصدمة فهي مرحلة صعبة تبدأ في لحظة معيّنة ، ولكنها على الأغلب لا تنتهي أبدًا .
سواء كانت الهجرة شرعية او غيرة شرعية فهي تجربة مليئة بالأمراض النفسية و المشاكل الاجتماعية ، فهي خبرة صادمة و لذى اغلب المهاجرين نتيجة الاختلاف بين المجتمعات وخاصّةً إذا كانت الفروق الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة كبيرة بين البلد الأم و البلد المضيف ، مثلا عندما يصل المهاجر العربي إلى البلد الأوروبي يشعر بأنّ كلّ شيء قد تغيّر بالنسبة إليه الثقافة و اللغة و العادات والتقاليد والمعايير وأسلوب الحياة و حتى طريقة اللباس والطبيعة والوقت والفصول والحرارة، والأطعمة، وحركات الناس ونظراتها و شكلها ، كل هذه الأشياء تعتبرا عالم جديد بالنسبة اليه و هذه الأشياء كلها تجعل المهاجر يجد صعوبة في التواصل مع المجتمع الجديد و صعوبة في الاندماج و هذا ما يخلق لديه الشعور بالعزلة و عدم فهم كل ما يحيط به ، فاللغة تُعد أهم العقبات التي يعاني منها المهاجر وغالبا ما تكون سببًا في كثير من حالات سوء التفاهم والفهم، وتؤدي بالمهاجر إلى أن يطلق أحكام غير واقعية أو مشوّهة على المجتمع المضيف وهذا ما يولّد لدية شعور بالصّدمة التي أطلق عليها علماء النفس صدمة الاستئصال الثقافي .

المرحلة الثالثة مرحلة المعاناة في العمل و في الحصول على رخصة الإقامة
بدون رخصة الإقامة يجد المهاجر نفسه يشتغل في اعمال شاقة و يتعرض للاستغلال يوميا من اجل توفير مصاريف الاكل و الايجار ، و هذا ما يجعله يفكر في طريقة الحصول على رخصة الإقامة لكي يشتغل بطريقة قانونية و بدون التعرض للاستغلال لكن يصطدم بكون ان الأوراق الرسميّة وإجراءات طلب رخصة الإقامة او اللجوء غالباً ما تكون طويلة و معقّدة نوعًا ما، و يغلب عليها الطابع البيروقراطي ؛ و هناك بعض المهاجرين يتعرضون للاستغلال في مرحلة طلب رخصة الإقامة و يبدأ الإحساس بالصّعوبات .

المرحلة الرابعة : مدتها طويلة يشعر فيها المهاجر بالتعب و بالحنين إلى الوطن و استذكار الماضي الجميل و الحنين الى الوطن ردّة فعل لا شعوريّة على الإحباط والواقع المؤلم، وتعبيرًا عن الحاجة إلى الدفء والأمان المفقودين، وردّة فعل على الضياع الوجودي، ففي هذه الحالة يمكن أن يتحوّل الماضي إلى سجن، لا يستطيع المهاجر الخروج منه، ويصبح الحنين نشاطًا مفرطًا للذاكرة لاستحضار موضوعات وأزمنة يستحيل استرجاعها، ومرتبطة ببعد عاطفي مشحون بالألم، ومن هنا يبدأ حلم العودة إلى أرض الوطن .
الهجرة تجربة قاسية و المهاجر هو ذلك الإنسان الذي فقد بوصلة الانتماء، و اصبح غريبًا في أيّ مكان .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

أيها القارئ العزيز أنت تستعمل إضافة لن تمكنك من قراءة الجريدة العربية . المرجو تعطيل الإضافة , شكرا لك .....