مجرد رأي : رحيل ظالم …

الجريدة العربية – لحسن كوجلي

استيقظت ذات صباح على رنة هاتف، يخبرني فيها صديق عزيز، برحيل مسؤول سابق إلى دار البقاء، وذلك بعد صراعه المرير مع مجموعة من الأمراض المستعصية، و الفقيد بالمناسبة واحد من بين ثلاثة آخرين الذين لن أسامحهم إلى ان يطهرهم الله تعالى بالعقاب أو البراءة.

و حرص صديقي على إخباري بهذا النبأ، كونه عالِمٌ بكل تفاصيل ما سقاني إياه هذا الشخص من شرور و مكائد، وصلت واحدة منها إلى حد رميي بتهمة واهية كادت أن تقودني إلى الهاوية.

الراحل، بعد هكذا خبر، يقف بين يدي الله تعالى، ضعيفا، منزوع السلطة و الصفة، و ما كان يجاهر به من قوة وسلطة، مجرد في حضرة الذات الإلهية من كل الامتيازات التي كانت ترفعه في الدنيا ، و تزيده مقاما عند جمهور من الخلق الضعيف.

لأول مرة أشعر بأني لا أحس بوفاة إنسان، و لا أهتم بفراقه و هجرانه، و لا يقدر لساني حتى أن يدعو له بالرحمة والمغفرة كما يلزمنا ديننا الإسلامي عليه.

الفقيد، كان زمن تجبره، ضخم البدن، حقودا حسودا، متلون التعامل والاستغلال، كان ضعيف التكوين، ببصيرة عمياء عن رؤية الحق، يستقوي على البسطاء بالمكر والخداع إلى أن جاءه امر الله و ضيق عليه بشديد الضعف، و دب في بدنه وجعا قضى على حياته، و ها هو ذا قد ولى إلى حيث يرحل الجميع.

وفاته أحيت ذكراه في نفسي، فقد كتمتها في صدري منذ سنوات خلت، حيث كان يتحكم في تفاصيل حياة كثير من الناس، كيف كان يقسو على البعض، و كيف كان يستغل البعض الأخر… سبحان الله ، ليتكم ترون كيف كان هذا المتعنت المتجبر يمشي في الأرض مرحا و خيلاء ، و كيف كان يعرض البعض للهلكة، و كيف كان ينشر العداء بين الناس.

و أنا – اليوم – أتخيل بعض المشاهد التي كانت تقع في آخر مراحل حياة هذا الرجل و هو في فراش الموت، ضعيف البنية، منهار القوى، يتلوى من شدة الآلآم، بملامح تقترب من الموعد المخيف، أتساءل عن دوافع المرء لفعل الشر و احتقار الغير و ظلم الناس و تعذيبهم، بالرغم من أنه مدرك بالمصير المحتوم، ضعف فقوة فضعف ثم هلاك ومن بعد ذلك حساب عسير.

وفاة هذا المسؤول أيقض في ذاتي ذاك الشيطان الذي حاولت أن اطرده حتى لا يتملكني يوما. نهاية رحلت بي إلى زمن اجتهدت فيه كذا مرة لأنساه إلى الابد، إلى حقبة مهنية، يسعى فيه علاة الأمر لاسترقاء المستضعفين و تهميش أعزة النفس وإبعادهم من محيطهم و من دائرة المشاركة في الحكم واتخاد القرار. وأمام هول ما جناه علي الهالك من سوء المعاملة، ومن رغبته في إذلالي و كسر طموحاتي ، و من قبحه تجاه الأخرين، أقف اليوم متأسفا لعدم تملكي لقرار المحافظة على إنسانيتي و السماح له عن كل ما صدر عنه من قسوة وخشونة، في انتظار رحيل من تبقى .

Exit mobile version