*ذ. عبد الله مشنون
نتابع نحن مغاربة العالم ما يجري من احداث متسارعة ومتباينة تهم الشأن الوطني والإقليمي والدولي وما يخلفه من اختلاف في وجهات النظر بين الغالي في الحكم والمتفهم لما املته الظروف وصيرورة الاحداث وما يتعلق منها بسعي كل بلد للحفاظ على توازنه وتنويع شراكاته.
ومن بين ما حظي باهتمام ومتابعة افراد الجالية المغربية بالخارج مسالة التطبيع مع إسرائيل.
حينما يتم التلاعب بالمعايير في قضية التطبيع مع إسرائيل؛ فما بين التطبيع والتضبيع؛ مجرد حرف واحد فقط؛ مما يجعل الجماعات الدينية فيما بين الانعزالية وهشاشة التكوين. فما عبر عنه حزب العدالة والتنمية المغربي؛ مخالف تمامًا لموقف حزب العدالة والتنمية التركي؛ حيث تم استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي على السجاد الأحمر في استقبال رسمي. وقد كان لاضطراب موقف الحزب المغربي وعدم قدرة قيادته على المحافظة على تماسكه بعد توقيع معاهدة التطبيع الأثر الكبير في فقدان الرصيد الشعبي الذي اوصله الى سدة الحكم.
نفس الاضطراب عبرت عنه الدبلوماسية الجزائرية التي ما فتئت بعد تطبيع المغرب مع إسرائيل تنعت المملكة بأقدح النعوت بل كانت سببا بالنسبة لهم لقطع العلاقات مع المغرب واتخاذ جملة من القرارات الجوفاء بعد ذلك ولم نر ولو بيانا استنكاريا او تعليقا على اقدام انقرة على اتخاذ نفس الخطوة حيث خرست السنة النظام الجزائري ولبواقه في القنوات الخليجية والاقلام المأجورة التي لا يحركها سوى المال الجزائري.
سبق لجامعة الدول العربية منذ حوالي 20 سنة فائتة؛ وأرسلت تقريرًا مفصلًا حول اقتراح الأرض مقابل السلام إلى سلطات إسرائيل؛ هذه الأخيرة لم تكلف نفسها حتى عناء الرَّد على المُقترح…! معناه؛ هي قادرة وغير معنية بسلامك الفارغ من أي تبادل للمصالح..
عملت إسرائيل على توطيد علاقاتها مع الصين؛ من خلال مساعدتها في تطوير محركات طائراتها وأنظمتها الاليكترونية التي كانت تعاني من مشاكل فنية؛ وبذلك سحبت تعاطفها مع فلسطين.
وساعدت الهند في تطوير أجهزتها الإلكترونية النووية؛ فوفرت عليها عناء بحث 150 سنة؛ وسحبت بذلك تعاطفها مع القضية الفلسطينية.
والشيء نفسه فعلته مع دول فقيرة بأفريقيا؛ تعاني الجوع والعطش والمرض والفقر وشح الخبز؛ وساعدتها في تنمية مجالات الزراعة والفلاحة ببلدانها؛ فسحبت تأييدها لقضية فلسطين.
وبسبب تزايد الحقد والكراهية من طرف بعض المنظمات الإقليمية؛ واستفزازها للكثير من الدول العربية؛ هاته الاخيرة التي لازالت مع ذلك تدعم وترافع وتدافع عن القضية الفلسطينية ماديًا ومعنويًا؛ تم اللجوء إلى التطبيع مع إسرائيل.
شعوب ومجتمعات تملك من أسباب الحضارة والتقدم والقوة؛ أدْناها؛ ومع ذلك لازالت تردد كلام أبو الطيب المتنبي:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بعض النجاحات التكتيكية؛ غالبًا ما يتبعها فشل ذريع؛ وذلك في غياب أجندات وخارطة نوايا واضحة ومحددة المعالم مسبقًا.
المفكر الاستراتيجي الدكتور جاسم سلطان في تساؤلاته حول “جهاز مفاهيمي واحد وإجابات متناقضة؛ يرى أنه في موقف تركيا من العلاقة بإسرائيل؛ والموقف من أطراف أخرى قامت بذات الخطوة؛ مثل المغرب والامارات العربية المتحدة؛ برز نقاش حاد بين مهاجم؛ ومتوقف؛ ومبرر؛ والكل بسند رأيه ضمنيًا أو صراحة للشريعة. والجميع يحتكم لجهاز معرفي أصولي واحد.
فما هي المعايير (المتفق عليها) إن وجدت؟
الأمر ذاته من التناقضات؛ تم في الموقف من حرب الخليج الأولى والثانية؛ مع وضد وتوقف وبذات الجهاز المعرفي وذات المبررات.
الأمر ذاته يتم في قضايا المشاركة السياسية والمرأة وسائر أسئلة الواقع في الاقتصاد والاجتماع… ولكن ألا يطرح ذلك سؤال درجة دقة المعايير ودرجة تضاربها وخطر ذلك على الثقة في المناهج وقدرتها على الاستجابة لتحديات الواقع؟
الغريب أن كل هذه التناقضات لا تلفتنا للأزمة المعرفية؛ ولكننا نصرف طاقتنا في اتهام النوايا والتلاوم البيني بدل التوجه للسؤال المعرفي.
أحسب أن الكثير مخلص ويريد الحق؛ ولكن المنهج لا يسعفه فينتقل للأسهل وهو إما القول بأن الآخر جاهل أو متشدد أو متسيب أو متأثر بالغرب. ومن محطة تلاوم إلى أخرى تضيع الجهود والاعمار.
محاولات إدخال المقاصد على المشهد أو فقه الواقع أو المآلات من بدايات القرن؛ لم تفلح في علاج المشكلة أو لم يسمح لها بالمرور والتأثير. وهذا يقتضي مراجعة جذرية للأسباب؛ تتجاوز التلاوم والتجهيل ودعوى التشدد والتسيب.
هل هناك محطة سنتوقف عندها بدون حساسيات للتخطيط لغد أفضل بدل تكرار ذات المسارات المعروفة النهايات؟”