إدريس زياد – الجريدة العربية
عملية معبر إيرز أقرب إلى الإعجاز العسكري والاستخباراتي، هذا المكان الذي تم تحصينه بالبنيان والجند، وإن جاز التعبير فهو رمز السيادة والتحكم بالنسبة للكيان الإسرائيلي، سقط المعبر بجنده وبنيانه ومصفحاته في لمح البصر على أيدي مقاتلين أشاوس، فكان أكثر المفاجآت صدمة للاحتلال الإسرائيلي، انهيار الجدار الكرتوني الإلكتروني في الثلاثين دقيقة الأولى، والذي علقوا عليه كل آمالهم، ووضعوا جزءاً كبيراً من بيض أمن كيانهم في سلته المتهالكة، تخطيط محكم للمقاومة الفلسطينية، وأداء فذ، ومعنويات فائقة، ونتائج مبهرة، ستبقى واقعة غلاف غزة “طوفان الأقصى” تدرس في أعرق الكليات العسكرية كأعظم نجاح لحركة تحرر محاصرة، وأشنع هزيمة لدولة تدعي أنها أقوى قوة إقليمية…
إهانة تلقاها الاحتلال الإسرائيلي من الهجوم على مستوطناته الجنوبية، أولها استخباراتية، حيث رأت المنظومة الأمنية كل المؤشرات الدالة على العملية، لكنها استنتجت بكل غرور أنها مجرد مناورة، وتدريبات عابثة، وثانيها سرعة تجاوز المقاومين للجدار الفاصل، وثالثها سهولة عودتهم إلى غزة مع عشرات الأسرى، ورابعها بطء ردّ الاحتلال على الاقتحام، رغم تجول عشرات المسلحين في معسكر للمدرعات، وكأنهم يتجولون في بيوتهم، كما انتشرت صور من مطار اللّد المكتظ بالإسرائيليين الهاربين والباحثين عن رحلة مغادرة، احتموا بساحات المطار حازمين أمتعتهم، بعد أن توغل المقاومون داخل الأراضي المحتلة، حيث بلغ عدد القتلى الإسرائيليين خلال الحرب الدائرة الآن إلى 700 قتيل، رقم يقترب من عدد القتلى في حرب 1967 والتي درات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، حينها بلغ عدد القتلى الإسرائيليين نحو 800 قتيل بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية في إسرائيل، ولا يزال عدد الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة مجهولاً منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس…
مثل هذا القرار الذي اتخذته المقاومة الفلسطينية لا يمكنها أن تتخذه دون حساب كافة الاحتمالات، ودون أن يكون هناك تنسيق كامل مع الأحلاف وحساب ردات الفعل والتطورات، والمتابع قد يرى أن ما أقدمت عليه المقاومة أشبه بالانتحار، فكيف لهم أن ينفذوا هذه الضربة القوية القاسمة وهم يعرفون ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة، لكن الأيام القادمة كفيلة بالجواب على مثل هذا السؤال، وتبقى القاعدة عند المقاومة الفلسطينية ثابتة، فإن هم عزموا والتحموا مع العدو فلا يقفوا في منتصف الطريق، لأنهم يعلموا بأن كل دابة عابرة من الاتجاهين ستدهسهم، وكلّ صائحة ستعيقهم، فهم ماضون حتى يبلغوا مقصدهم، ولا يلتفتون إلى من يحبطهم ويخوّفهم من الدم والدمار والأفعال المرتدّة، ويأتيهم تارة بصوت الحكمة وتارة بصوت الدعاية، فلا يسلّموهم عقولهم ولا يرخوا لهم آذانهم، شرط أن يكون المقطع المستهدف من الطريق محدداً، لأن التوغل الإضافي في طريق طويل قد يكون مهلكة، فإن تيسر مدها بفضل الله عز وجل فذلك خير، وإن الله إذا دبّر أقدارهم فإنه يدبّرها على ما كسبته أيديهم ودبروه لأنفسهم، فاللهم مدداً منك، مسومين ومردفين…
من اعترافات عضو الكنيست ألموغ كوهين: “المقاتلون الغزاويون شرسون جداً، ويعلمون جيداً ما يقومون به، لقد عثرنا في عتادهم على خرائط تفصيلية لكل متر وصلوا إليه، يحملون خريطة لكل مستوطنة، وتفاصيلها من الداخل، إنهم منظمون جداً، وعندهم رباطة جأش، وثبات انفعالي غير طبيعي، لا يستسلمون، يواصلون القتال حتى بعد نفاذ ذخيرتهم”
الكيان الإسرائيلي في ورطة، وخياراتهم صعبة، ومهما كانت الخسائر الفلسطينية فإن قواعد اللعبة ستتغير نحو الأفضل، وتبقى القوة الوحيدة القادرة على إخراج نتانياهو من مأزقه هي أمريكا، التي ستمنحه بعض الأيام للتدمير والانتقام بلا هوادة، لكن أوراق القوة هذه المرة بيد المقاومة الفلسطينية، وهي ورقة الجنود الأسرى، وهذا الانتصار الحدث سيبقى في ذاكرة الأجيال بطبيعته وتجلياته وتطوراته والذي سيشغل المنطقة لسنين عدداً، وستشهد غزة جولة قتال وقصف وتدمير لم يسبق لها مثيل، وسيكون من الصعب على الوسطاء التدخل أمام عظمة هذا الحدث الذي فاجأ العالم كله بحجمه وقوة تخطيطه ودقة تنفيذه.