الجريدة العربية -عبدالناصر أولادعبدالله
بضع قطرات من المطر كفيلة بتعرية حجم الهشاشة والتهميش الذي يعيشه إقليم طاطا..فهذا الإقليم المتاخم للحدود والذي يشمل 20 جماعة ويعيش عزلته بين جبال باني؛ لا زال يعاني الأمرين وتتوالى عليه النكبات، فيما لا يعرفه عديدون إلا لماما عندما يذكر في أسوء حالات الطقس .
حتى نظرة المسؤولين له هي نظرة من فوق، وذلك ما يعكسه التقطيع الترابي الذي ألحقها بجهة سوس ماسة قادمة من جهة كلميم السمارة؛ حيث يبين أن من أعاد رسم الجهوية بالمغرب لم يكن يدرك واقع الأرض ولا ساكنتها وإنما كان يخط بقلم على خريطة مسطحة دون مراعاة لاعتبارات متعددة، مرسخا بذلك لتهميش الهامش..وهو أمر حذرنا منه أنذاك لنقف عند حقيقته في عديد دورات مجلس جهة سوس ماسة الذي اختار محور “أكادير الكبير” مركزا نافعا ركز فيه أشغاله ومشاريعه ورساميله؛ فيما اعتبر إقليم طاطا الذي يمتد على نحو 50 في المئة من مساحته غير نافعا؛ وزاد من تعميق جراح هذا الإقليم الزاخر بمؤهلاته الطبيعية والثقافية .
هل يستحق إقليم طاطا الذي لا يذكر في هذه المجالس إلا “بالله يعمرها دار” دون برمجة مشاريع؛ سوى التهميش وهل أصبحت صفة “الله يعمرها دار” لا تصلح إلا للركوب والإستحمار..أركز هنا على مجلس جهة سوس ماسة لعدة أسباب أولها “لعنة الجغرافيا” التي جعلت هذا الإقليم في مؤخرته، ونظرا للغط الذي أعطي للجهوية الموسعة، ثم لاختصاصات المجلس في مجال التنمية الجهوية والقروية والإستثمار وكذلك في تأهيل وتنمية المناطق الجبلية والواحية، و “الحماية من الفيضانات” فحتى برامجها في هذا الشأن الممولة من طرف صندوق مكافحة أثار الكوارث الطبيعية لم يستفد منها الإقليم ولم يبرمج منها شيئ لفائدته رغم عرضة العشرات من الدواوير لهذا الخطر المحدق، فيما يستمر مجلس الجهة في تخصيص ميزانيات للتكوين والتحسيس والبنيات التحثية على شفى الإنهيار، ويبرمج ميزانيات ضخمة لمهرجانات لا تسمن ولا تغني من جوع ولو خصصت أموالها لمشاريع في إقليم طاطا لحافظت على الثراث المادي واللامادي وعلى حياة الساكنة والبيئة .
ويبقى إقليم طاطا ضحية للإهمال والإحتقار، فهو لا يعدو أن يكون في نظر الدولة المركزية سوى “منفى عقابي” للمسؤولين الفاسدين والفاشلين المغضوب عليهم..ولن يتقدم إلى حين ينظر إليه المركز بأنه إقليم للترقية ويستحق الأفضل وحسن الرعاية والإهتمام؛ فإقليم طاطا الذي تحولت جباله لحفر منجمية كبيرة شقت إليها الطرق وجهزت تجهيزا وربطت بطائرات الهيليكوبتر وأسطول من الشاحنات..وساكنتها لا تجد سيارة إسعاف ولا طائرة طبية ويموت غالبية مرضاها ونسائها الحوامل في طريق الموت نحو أكادير، ومستوصفاتها دون أطباء، وأهلها لا يملكون إلا الموت والصبر أمامهم..فارحموا هذا الإقليم وساكنته .
إن حجم الكوارث والفواجع التي يعيشها إقليم طاطا ويتجرع مرارتها في صمت، تجاوزت كل أنواع التحمل والصبر، ولم يعد هذا الإقليم قادرا على تحمل المزيد، فإما أن تلتفت الدولة إلتفاتة حقيقية لهذا الإقليم أو تعلنه إقليما منسيا ومغضوبا عليه..ولا تنسى كذلك أن تستغني عن مناجمه وعن الضيعات التي اكتسبها رئيس الحكومة وبعض وزراءه هناك جراء سطو مافيا العقار..ولا تنسى كذلك أن ساكنة طاطا هناك أدرع بشرية على الحدود نالت منهم حروب وربما ذلك الرصاص الحي كان أرحم من هذا التهميش الممنهج .