
ربيع السيادة المغربية وسقوط خريف الحقد الجزائري: من الداخلة إلى الأمم المتحدة، أوراق النصر لا تسقط في الشرق
الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *
في زمن تحكمه صراعات المصالح، وانقلابات المفاهيم، وتغول الأنانية الجيوسياسية، يتأكد لنا كل يوم، بل كل لحظة، أن المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعزه، قد اختارت عن وعيٍ ورؤيةٍ ثاقبةٍ طريقًا مغايرًا لما يسلكه الآخرون: طريق الهدوء المتزن الذي لا يساوم على المبادئ، والدبلوماسية الرصينة التي ترتكز على حكمة التاريخ، والاستراتيجية طويلة النفس التي لا تركض وراء الأضواء، بل تشتغل في صمت الملوك، ولكنها ما تلبث أن تَصعق الخصوم وتُفحِم المشككين بصوت الانتصارات المدوية، التي تكتبها المملكة بأحرف من ذهب في سجل المجد العربي والإفريقي والدولي.
الرباط: بوابة القرار الدولي
لم يكن توقيع المملكة المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، على الموقف التاريخي المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، مجرد بيان عابر في نشرة الأخبار. بل هو ضربة قاضية، وآخر مسمار يُدق في نعش دعاية الجزائر وصنيعتها البوليزاريو. ضربة جاءت من قلب الرباط، حيث تلتقي اليوم عواصم القرار الدولي لتأكيد أن المشروع المغربي هو المشروع الأكثر واقعية، والأشد انسجاماً مع منطق التاريخ والجغرافيا والشرعية.
اليوم جاء دور بريطانيا، ومن قبلها كانت الولايات المتحدة، وفرنسا وألمانيا، فكل منهم لم تعد يقبل بلغة المراوغة والخطابات البالية التي تُشهرها الجزائر كل مرة، بل اختارت الاعتراف بما لا يمكن إنكاره: أن الصحراء مغربية، وأن المبادرة المغربية هي الحل الأكثر جدية ومصداقية، وأن المغرب هو حجر الزاوية في أمن شمال إفريقيا واستقرارها.
الدبلوماسية المغربية: عبقرية القيادة وتفوق النخبة
النجاح المغربي لم يكن وليد صدفة، بل هو ثمرة قيادة ملكية حكيمة، ونخبة دبلوماسية محترفة يقودها وزير الخارجية ناصر بوريطة، ويعززها حضور فاعل ودؤوب للسفير عمر هلال في الأمم المتحدة، الرجل الذي بات، بفضل رصانته وحنكته، الرقم الصعب في المنتديات الأممية.
هذه الدبلوماسية لا تشتغل بمنطق رد الفعل، بل ترسم معالم سياسة خارجية تستبصر المستقبل، وتؤسس لتحالفات رابحة، وتخاطب العالم بلغة الندّية والاحترام. لم يكن عبثاً أن توصف الرباط اليوم بأنها “عاصمة التوازن الإقليمي”، ولا أن ترى فيها القوى الكبرى أرضًا خصبة للاستثمار في زمن تتهاوى فيه أنظمة وتُشل فيه اقتصادات.
الجزائر… عندما يتحول الحقد إلى مرض مزمن
في مقابل هذه الدينامية المغربية الشاملة، تستمر الجزائر في ممارسة سياسة الهروب إلى الوراء، واللعب في الزمن الضائع. قادة الجزائر، ومن ورائهم أذرع البوليزاريو الإعلامية والسياسية، يعيشون صدمة تلو الأخرى، ويفتّشون يائسين في خريفهم البئيس عن ورقة لم تسقط بعد. لكن الأوراق كلها تناثرت، وبقيت المملكة وحدها في ربيعها، تزرع وتثمر وتُصدّر النموذج.
حالة الجزائر مع المغرب تختزلها عبارة واحدة: القافلة تسير والكلاب تنبح. فالجار الشرقي اختار الحسد بدل التنافس الشريف، والعرقلة بدل البناء المشترك، والعبث بمصير الشعوب بدل التعاون على الرقي والازدهار. والمؤسف أن كل ضربة يتلقاها المشروع الانفصالي، تُحوِّل الإعلام الجزائري إلى منصة بؤس تُمارس الهذيان الجماعي بدل مراجعة الذات.
الصحراء المغربية: بوابة إفريقيا نحو البحر
الصحراء ليست فقط قضية وطنية مقدسة، بل أصبحت اليوم معيار الشراكة مع المغرب. فالمملكة لا تعترف بمن يراوغ في هذه القضية، ولا تضع يدها في يد من لا يعترف بوحدتها الترابية. لقد فهمت إفريقيا ذلك، وفهمه شركاء العالم، فاختاروا جميعًا الانخراط في رؤية ملكية سامية ترى في الأقاليم الجنوبية قاطرة للربط القاري.
فميناء الداخلة الأطلسي -مثلا- ليس مشروعًا تنموياً فقط، بل هو بوابة حقيقية لدول الساحل نحو البحر، ومَعلمٌ يؤكد أن المغرب لا ينغلق داخل حدوده، بل يحمل إفريقيا معه في مساره التنموي. هذه هي فلسفة جنوب-جنوب التي رسّخها جلالة الملك محمد السادس، والتي جعلت من المغرب الشقيق الأكبر الذي تلتف حوله شعوب القارة.
من الرياضة إلى النفسية: مغرب القوة الناعمة
لا تقتصر مكاسب المغرب على السياسة والدبلوماسية، بل تشمل الرياضة التي أبهرت العالم في مونديال قطر، حيث قدّم المنتخب الوطني درسًا في الانتماء والروح الوطنية، كما تشمل الاقتصاد، والسياحة، والأمن، والتعليم، والنموذج التنموي الجديد، بل وحتى على المستوى النفسي الجمعي، حيث بات المواطن المغربي أكثر ثقة بمؤسساته، أكثر فخرًا بوطنه، أكثر يقينًا بمستقبله.
إن المغرب اليوم ليس مجرد بلدٍ مستقر، بل هو مشروع دولة صاعدة، تعيد رسم خريطة المنطقة وفق منطق التنمية لا الفوضى، ووفق مشروع ملكي يُؤمن أن الوطن القوي هو الذي لا يلتفت إلى النباح، بل يواصل السير، يرسم المستقبل، ويصنع التاريخ…..
لم ننتهي، للموضوع بقية يا سادة …..
_______________________________________________