الجريدة العربية – ذ. إدريس زياد
عندما تقف على أعتاب رواية فرانكشتاين، ذلك الطبيب الشاب الذي أراد أن يصنع كائناً بمنتهى الكمال، جامعاً أفضل ما في البشر، حيث افترض أن يكون كائناً مكتمل الجمال، لكن هذا الكائن تحول إلى مسخ دمر حياته تماماً، وكان واجباً التخلص منه في النهاية، فالتوقف عند فكرة هذه الرواية العظيمة يحسّنا جميعاً وبشكل ما أننا نحن من يصنع هذا الكائن، نوصله إلى درجات الكمال، نعطيه ما لم يحلم به يوماً، ننسى أنفسنا في خضم محاولة جعل هذا الكائن مكتملاً، نجعل من أنفسنا مجرد رياح تحت جناحيه ليرتقي…
لكن كل القصص تنتهي بالتشابه الغريب وتأبى إلا أن تصنع فرانكشتاين جديد، يدمر كل ما حوله ويعيش على الخراب، إننا نصنع الوحش عادة ونبكي على ما أحدثه من دمار، إننا في غفلة نبذ الذات، تنبذنا تلك الوحوش التي صنعنا، والوقوف على تلك الرواية يجعلنا نرى بوضوح كيف تتحول الكائنات الجميلة إلى مسوخ تغتال كل ما حولها لترتقي، ولا تكتفي من الخراب في نشوة الانشغال بنفسها فقط، تلك الكائنات التي صنعنا تتضخم الأنا فيها فلا يعود يشبعها شيء، لا تحاولوا اجتثاث النبتة إلى مكان آخر بالحديقة، أتركوها حيث هي، فمهما أنبت الصبار وروداً يبقى يخفي الأشواك في ضلوعه، نحن نصنع في غفلة الواجب والحب مسوخاً تغتالنا، تمتصنا كرحيق وتتركنا نذبل، نحن نصنع الوحوش.