على ضوء تدخل بعض رؤساء ومستشاري الجماعات الترابية ومن والاهم من أشباه وأشباح لا علاقة لهم بموظفي الجماعات الترابية ولا بالوظيفة العمومية، في انتخاب ” مناديب ” التعاضديات وتكوين اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء الخاصة بموظفي الجماعات الترابية، وفي محاولة لاستقراء علاقة الرئيس والمستشار بالموظف الجماعي حسب نصوص القانون 113.14 الذي يعتبر بمثابة القانون التنظيمي للجماعات الترابية، أسند إلى المجلس الجماعي مهمة تدبير وتسيير شؤون الجماعة ترسيخاً لمبدئ التدبير الحر، ويتألف هذا المجلس من أعضاء يتغير عددهم حسب التعداد السكاني للجماعة، والعضو الجماعي هو مستشار يشارك بقوة القانون في تدبير أمور المنطقة التي انتخب بها ومطالب بالمساهمة في وضع خطط تنموية محلية والعمل على إنجازها.
إذن يعتبر التدبير اليومي بالجماعة إحدى الأولويات التي يجب أن يرعاها المنتخب الجماعي، خاصة أنه يتميز باحتكاكه اليومي بالساكنة المحلية من جهة و أحياناً بالموظفين الجماعين من جهة ثانية، ما يهمنا هنا هي علاقة هذا المستشار بالموظف حيث نجده أحيانا يأمر وأحياناً أخرى يساعد أو يتدخل بنفسه في تنفيذ بعض القرارات، ومن هنا تطرح إشكالية تتعلق بطبيعة العلاقة القائمة ما بين المستشار الجماعي والموظفين الجماعيين.
إن طبيعة العلاقة القائمة بين المستشار الجماعي والموظفين قد تم تحديدها بموجب قانون 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، فباستثناء حق الإشراف على موظفي الجماعة المخول لرئيس المجلس والمنع الصريح لعضو المجلس في التدخل في التسيير الإداري المادة 103 الفقرة الأولى “يجوز للرئيس تحت مسؤوليته ومراقبته أن يفوض إمضاءه بقرار إلى نوابه باستثناء التسيير الإداري” وهي فقرة واضحة فلا حديث عن علاقة بين المستشارين والموظفين الجماعيين في مجال التسيير الإداري، كما أنه بالرجوع إلى نص قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958، نجد المشرع ينص صراحة على أن الموظف مسؤول صراحة أمام رؤسائه، إذن نستنتج أن العلاقة تتحدد فقط بين رئيس المجلس الجماعي والموظفين الجماعيين وذلك بموجب المادة 96 من القانون 113.14 “يسير الرئيس المصالح الإدارية الجماعية، ويعتبر الرئيس التسلسلي لجميع العاملين بها، ويسهر على تدبير شؤونهم ويتولى التعيين في جميع المناصب بإدارة الجماعة طبقاً للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل”
لهذا تعتبر العلاقة بين الموظف والرئيس علاقة قانونية وتسلسلية، فإذا كانت هذه العلاقة ما بين الموظف الجماعي والمستشار لم ينص عليها أي قانون، فإنه يفترض في رئيس المجلس أن يعمل على مساعدة الطرفين على نسج علاقات جيدة بينهما وتقوية قنوات تواصلهما، إدارياً وأخلاقياً وذلك بمساعدة الطرفين على نسج علاقة تخدم المصلحة العامة وتتم في جو من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في التسيير الإداري للموظفين، وهذا كله من أجل تطوير الإدارة الجماعية وجعلها إدارة فعالة وإدارة منتجة، تعبر بالفعل عن تطلعات المواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 129 من القانون 113.14 أشارت إلى أنه: ” تخضع الموارد البشرية العامة بإدارة الجماعة لأحكام نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات الترابية يحدد بقانون”
وفي سياق موضعنا تدخل الإدارة الجماعية في علاقة مع صنفين من المستشارين الجماعيين، صنف فوض له رئيس المجلس بعض سلطاته، ويتشكل من نواب الرئيس وصنف ثاني لا يتوفر على قرار تفويض المهام، فالصنف الأول يمارس المهام المسندة إليه والمحددة في قرار التفويض، كتصحيح الإمضاءات مثلاً، ففي هذه الحالة وفي حالات أخرى يتواجد المستشار النائب بجانب الموظف الجماعي، لأداء خدمة مشتركة للسكان، وهذا التواجد قانوني ولا يتعارض مع وظيفة الموظف الجماعي، وإنما هو ممارسة لجزء من اختصاصات رئيس المجلس بهدف التخفيف من أعباء التسيير اليومي التي يتحملها الرئيس، إلا أن الواقع أثبت أن بعض المستشارين النواب في بعض الأحيان ينصبون أنفسهم رؤساء على الموظفين مما يكون له انعكاسات سلبية على الإدارة الجماعية، وهذا يعد مخالفاً للقوانين والدوريات الجاري بها العمل في هذا الشأن، ونستدل هنا بالدورية رقم 90 الصادرة بتاريخ 5 شتنبر 1997 بالضبط إبان الانتخابات الجماعية التي جرت في 13 يونيو 1997 والتي كانت عبارة عن توجيهات عامة حول نشاط المجالس الجماعية، فمن بين ما جاءت به هذه الدورية، عدم تنصيب المستشارين رؤساء الأقسام والمصالح، لأن هذا سيكون له تأثير كبير على السير العادي للإدارة، وربما سيحدث اصطدامات ما بين رؤساء الأقسام والمصالح الفعليين، وهم الموظفون المعينون بقرار وبين المستشارين المفوض لهم في هذه الأقسام والمصالح.
والصنف الثاني لا تفويض له وتواجده بالجماعة يستند على انتدابه من طرف السكان المنتخبين له، ليسهر على مصالحهم ولينطق بلسانهم بهذه المؤسسة التمثيلية، وغالباً ما يقع هذا الصنف من المستشارين في نزاعات وصدامات مع موظفي الإدارة الجماعية، وذلك لسببين:
– الوعي الذي يبديه بعض الموظفين الجماعيين لمعرفتهم المسبقة باختصاصاتهم وبمنطق التسلسل الإداري وبحقوقهم وواجباتهم وحدود طاعة الأوامر وشروطها، ونتيجة لذلك لا يأبهون إلا بتعليمات رؤسائهم، متمثلة في رئيس المجلس الجماعي أساساً وتوجيهات رؤساء الأقسام والمصالح، ويرون أنه من المفروض تجاهل أوامر المستشارين غير المفوضين والملزمين في نظرهم، بالمرور عبر رئيس المجلس، باعتباره الرئيس التسلسلي للموظفين كافة.
– جهل بعض المستشارين لحدود حقوقهم واعتقادهم بأن عملية الانتخاب كافية لإخضاع الموظفين الجماعيين لرغباتهم ولإجبارهم على طاعة أوامرهم، وما على الموظف إلا الامتثال لطلباتهم الرامية إلى تلبية حاجيات السكان.
إنها إشكالية تكوين المستشار الجماعي وضرورة تلقينه دروساً ولو شفوية في اتجاه معرفة واجباته لتكون العلاقة بين طرفي التسيير متوازنة ولا يطبعها إجحاف أو توثر، فكثيراً ما نرى مستشارين جماعيين يأمرون بما ليس لهم فيه حق ويتدخلون في أمور لا تعنيهم وبعيدة كل البعد عن مجال اختصاصاتهم.
فإذا كان قد تم الحديث بشكل مستفيض في المناظرات الوطنية للجماعات المحلية سابقاً عن وضعية المستشارين الجماعيين، وظروف عقد دورات المجلس، ووضعية مدراء المصالح، ومشكل التكوين، إلى غير ذلك من القضايا الأخرى، فإنه قد تم إغفال الحديث عن دور المستشار الجماعي في الإدارة الجماعية، من خلال علاقته بالموظفين والمرافق العمومية.
وإذا كان المستشار الجماعي قد تم إهماله بشكل كبير على مستوى النصوص القانونية من خلال منح الاختصاصات القصوى لفائدة الأغلبية على حساب الأقلية، فإن هذا ما يبرر عادة انتفاضة المستشار الجماعي على مستوى تدخله في إدارة المصالح الجماعية ومشاركة الموظفين في تأدية مهامهم.