
بنسليمان: المدينة الخضراء بين أطلال الماضي وأمل الإحياء قبل كأس العالم 2030.
الجريدة العربية – رضوان ادليمي
تحولت مدينة بنسليمان، التي كانت تُلقب بـ”المدينة الخضراء” أو “إفران الصغيرة”، إلى نموذج بارز للجمال والنقاء في الماضي، حيث ازدانت بمساحات شاسعة من الخضرة وأحاط بها غطاء غابوي ساحر أضفى عليها رونقًا خاصًا وهواءً نقيًا. كان الاهتمام الكبير من المسؤولين السابقين بصيانة حدائقها وتنظيف أحيائها سرّ تميزها الوطني. لكن المشهد تغير تمامًا، فالمدينة التي كانت عنوانًا للرقي والبيئة النقية أصبحت اليوم غارقة في أزمات متلاحقة تكاد تطمس معالمها وتثقل كاهل سكانها.
فمدينة بنسليمان، التي كانت تُعرف في الماضي باسم “القشلة”، أصبحت تشهد واقعًا مريرًا يعكس تزايد الأزمات التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكانها. يعاني قطاع النقل بالحافلات من حالة من الفوضى والعشوائية، حيث يفتقر السكان إلى خدمة نقل منظمة وسط نقص واضح في عدد الحافلات وتهالك بنيتها التحتية، مما يجعل التنقل اليومي تحديًا كبيرًا يواجه الجميع. وفي المقابل، تغيب النظافة عن مشهد المدينة، حيث تتراكم النفايات وتنتشر الروائح الكريهة، مما ألقى بظلاله على صورة “القشلة” التي كانت يومًا عنوانًا للجمال البيئي والنظام.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ إن غياب أسواق القرب يدفع الباعة الجائلين إلى احتلال الشوارع والأرصفة، مما يُعطّل الحركة ويُشوّه المظهر الحضري، في ظل غياب حلول جذرية تُنظم هذه الأنشطة التجارية. أما عشوائية قطاع سيارات الأجرة، فهي مثال آخر للأزمات التي تُرهق السكان، مع ضعف الرقابة وارتفاع الأسعار، مما يُضيف إلى معاناة المواطن اليومية في التنقل. هذه الأزمات المتشابكة تعكس تراجعًا خطيرًا في الخدمات الأساسية، وتُبرز الحاجة إلى تدخل عاجل يعيد تنظيم المدينة ويرفع المعاناة عن سكانها.
لم تقتصر أزمات بنسليمان على النقل والنظافة، بل تعدّت إلى تدهور بنيتها التحتية وتفشي ظواهر غير أخلاقية والبيئة الملوثة. أصبحت المدينة ملاذًا للعناصر المشبوهة، ومركزًا للروائح الكريهة، ومكبًا للنفايات. إضافةً إلى ذلك، الانتشار المقلق للمختلين عقليًا في شوارعها بات يشكل خطرًا على سلامة المواطنين، ويُبرز غياب حلول فعّالة من المسؤولين.
إن الزائر لمدينة بنسليمان اليوم سيرى رأي العين أنها لم تواكب الإقلاعة التنموية التي شهدتها المدن المجاورة. حتى المكتسبات التي كانت تتميز بها المدينة سابقًا نالت منها يد الإهمال والنسيان. البنية التحتية باتت آيلة للسقوط، والخدمات الأساسية متردية، ما يجعل الوضع بحاجة إلى تدخل عاجل يعيد للمدينة جزءًا من ألقها المفقود.
فبين عشوائية التدبير وغياب الرؤية، أصبحت بنسليمان تختنق تحت وطأة أزمات متلاحقة. التحدي الأكبر اليوم هو أن يتحمل المسؤولون مهامهم لإعادة إحياء المدينة، من خلال معالجة أزمة النقل، تعزيز النظافة، تنظيم أسواق القرب، وإعادة التخطيط للمدينة بما يضمن عيشًا كريمًا لسكانها.
ومع اقتراب موعد الحدث العالمي المنتظر، كأس العالم 2030، الذي ستحتضنه المملكة، يصبح من الضروري أن تُستثمر هذه الفرصة لإبراز بنسليمان كواجهة مشرقة تعكس قوة التخطيط والتنمية المستدامة، وإعادة إحياء لقبها السابق كـ”المدينة الخضراء”.