اليوتيوبر الجزائري سعيد بن سديرة… من “اللجوء السياسي” إلى المتابعة القضائية وفضح الأدوار الغامضة

الجريدة العربية – ملف خاص

يواجه سعيد بن سديرة، اليوتيوبر الجزائري المقيم في لندن، مأزقاً قانونياً معقداً بعد توقيفه في فرنسا خلال أبريل الماضي، حيث كان خاضعاً لرقابة قضائية مشددة. ويأتي ذلك في سياق ملاحقات قضائية يواجهها في الجزائر، حيث صدرت بحقه أحكام في أربع قضايا مختلفة، إلى جانب مذكرة توقيف دولية صادرة عن سلطات بلاده.

وفقاً لمصادر إعلامية فرنسية، فإن بن سديرة قد يكون قاب قوسين من الترحيل إلى الجزائر، حيث من المرتقب أن يخضع لتحقيقات دقيقة تكشف علاقاته بشبكات أمنية جزائرية، وخصوصاً داخل مديرية الأمن الداخلي (DGSI). هذه الشبكات اتُّهمت بتحريك عدد من الناشطين على مواقع التواصل في فرنسا، ممن يهاجمون الجالية الجزائرية والمعارضين وحتى المؤسسات الفرنسية.

الرئيس السابق لجهاز المخابرات الجزائرية (الأمن العسكري)، العقيد قاصدي مرباح، الذي أغتيل في الجزائر على يد فرقة من القتلة، يظهر محاطًا بمجموعة من الصحفيين الشباب: على يمينه، مرتديًا بدلة فاتحة، الصحفي الشاب السعيد بن سديرة؛ وعلى يساره، محمد صغير سلام وعلي فوضيل، اللذان أصبحا لاحقًا من كبار مسؤولي الصحافة الجزائرية الناطقة بالعربية والمعروفين بقربهم الشديد من أجهزة الأمن الجزائرية.

بن سديرة، المولود سنة 1968 بالجزائر ، بدأ نشاطه كعنصر استخباراتي في أواخر الثمانينيات، حين جندته مصالح الأمن العسكري آنذاك (التي ستعرف لاحقاً باسم “الدي آر إس”). عمل تحت غطاء الصحافة، لكنه كان يضطلع بمهام تتعلق بالتجسس ومراقبة الطلبة، والنقابيين، وزملائه من الإعلاميين.

ورغم محاولاته لاحقاً للهروب من قيود النظام عبر اللجوء إلى الخليج، ثم إلى لندن، إلا أن مسيرته بقيت لصيقة بالأجهزة الأمنية الجزائرية. وقد تلقى دعماً من شخصيات وازنة داخل المؤسسة العسكرية، واستغل وسائل التواصل لبث خطاب دعائي يخدم مراكز قوى معينة في الجزائر، ويهاجم أطرافاً معارضة، أبرزها شخصيات بارزة في المهجر.

في العاصمة البريطانية، حاول بن سديرة التسلل إلى دوائر المعارضة الجزائرية، دون نجاح يُذكر، بسبب الشكوك حول ماضيه وتوجهاته. وبمرور الوقت، تحوّل إلى شخصية مثيرة للجدل على يوتيوب، يوجه من خلالها انتقادات لاذعة لمعارضي النظام، ويتبنى خطاباً مؤيداً لما يُعرف بـ”الدولة العميقة”.

وفي تطور بالغ الأهمية، تعرض بن سديرة لاعتداء جسدي في 10 ماي 2023 بإحدى ضواحي باريس، حيث سُرق هاتفه الذكي من قبل مجهولين. لاحقاً، وبعد تحليل بيانات الهاتف في الجزائر، تبيّن أنه يحتوي على كم هائل من الاتصالات والرسائل والمعلومات الحساسة، بينها تسجيلات صوتية تلقائية وأدلة على تحويلات مالية نحو حساباته في أوروبا.

في هذه الصورة، يظهر السعيد بن سديرة في إسبانيا إلى جانب الجنرال نزار، الذي توفي مؤخرًا، وكان أحد أبرز رجال السلطة العسكرية في الجزائر خلال مواجهته للجماعات الإسلامية.

وبينما كشفت التحقيقات عن صلاته بمسؤولين سابقين وحاليين في أجهزة الأمن الجزائرية، وعلى رأسهم مسؤولون في جهاز المخابرات الخارجية، يتواصل الجدل حول الدور الذي لعبه بن سديرة في الترويج لخطاب مماثل لما تنشره بعض الأجنحة المتصارعة داخل النظام.

هذه التطورات تضع سعيد بن سديرة في قلب زوبعة قضائية وسياسية قد تُسفر، في حال تسليمه للجزائر، عن كشف خيوط شبكة معقدة من التحالفات، التي تجمع بين الإعلام، والأمن، والسياسة في واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد الجزائري المعاصر.

Exit mobile version