الجريدة العربية – الرباط
واصل المغرب خلال العقدين الأخيرين تأكيد ريادته القارية والإقليمية في مجال النقل والبنيات التحتية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. فالمملكة، التي شقّت طريقها بثبات نحو التميز، أصبحت اليوم نموذجًا يُحتذى به في الربط الطرقي والسككي والجوي، في وقت بدأت فيه الجزائر تتلمس أولى الخطوات لمحاولة تدارك الفارق الكبير الذي فرضته دينامية المغرب الطموحة والمتواصلة.
المغرب.. قصة نجاح هندسية وإرادة ملكية
المشاريع المهيكلة التي شهدها المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وعلى رأسها الطرق السيارة الحديثة، وخط البراق الفائق السرعة، وميناء طنجة المتوسط، تُجسد رؤية استشرافية للدور المركزي الذي يجب أن تلعبه البنية التحتية في التنمية الشاملة. فاليوم، لم يعد المغرب يتحدث عن نقل فقط، بل عن ربط اقتصادي وتجاري بين إفريقيا وأوروبا، وعن مراكز لوجستية عالمية، وعن قدرة على التنافس في الأسواق الدولية.
الاستثمارات الذكية التي وجهتها الدولة المغربية نحو النقل لم تُسهِم فقط في تحسين جودة عيش المواطنين، بل جعلت من المملكة منصة استراتيجية لنقل البضائع والركاب، محليًا وقاريًا ودوليًا. وبهذا، فإن المغرب لم يَسر فقط في طريق التقدم، بل سبق الآخرين بأشواط، بينما ظلّ جيرانه، وفي مقدمتهم الجزائر، يتلمسون بداية الطريق.
الجزائر… بداية متأخرة ومحاولات لاحتواء التأخر
في المقابل، وجدت الجزائر نفسها مضطرة، أمام النجاحات المتواصلة للمغرب، إلى إطلاق مشاريع ترقيعية في البنية التحتية، بهدف الحد من الفجوة المتسعة. فمع أكثر من نصف أسطول الحافلات المتهالك، والذي تجاوز عمره العشرين سنة، أعلنت الحكومة الجزائرية إجراءات لاستيراد حافلات مستعملة تقل أعمارها عن خمس سنوات. وهي خطوة توحي بمحاولة اللحاق بمستوى الخدمات المغربية في النقل العمومي.
أما في ما يخص السكك الحديدية، فالمشاريع التي تم الإعلان عنها، من قبيل خط الجزائر – تمنراست، لا تزال في طور التصور، وتفتقد للتمويل والجاهزية. ويبدو واضحاً أن الجزائر تسعى من خلال هذه المبادرات إلى مجاراة النموذج المغربي الذي أصبح مرجعًا إفريقيًا في مجال الربط السككي، خصوصًا بعد النجاح المذهل لقطار البراق فائق السرعة.
في الجو كما في الأرض… المغرب يحلق عالياً
في مجال الطيران، يعزز المغرب مكانته كقطب جوي إقليمي من خلال مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، الذي أصبح مركزًا عبوريًا دوليًا. وفي المقابل، تحاول الجزائر من خلال طلبية لشراء بعض الطائرات، من بينها “إيرباص A330-900” و”بوينغ 737 ماكس”، أن تطور أسطولها الجوي، لكن التأخر الهيكلي في تدبير قطاع الطيران الداخلي لا يزال يشكل عقبة أمام أي إقلاع حقيقي.
مغرب المستقبل… قطب متوسطي وإفريقي بامتياز
كل المؤشرات تؤكد أن المغرب يسير بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانته كدولة قاطرة للتنمية المستدامة في إفريقيا، في وقت تسعى فيه الجزائر إلى مجاراة الوتيرة المغربية المتسارعة، بعد أن أصبحت المملكة نموذجًا يُشار إليه بالبنان. فالاختيارات الحكيمة التي يقودها جلالة الملك، والقائمة على دمج البنية التحتية في قلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، جعلت من المغرب بلدًا يصنع الفارق في شمال إفريقيا.
ومع تواصل مشاريع الربط القاري، وتوسيع ممرات التجارة، وربط الجنوب بالشمال، فإن الرؤية الملكية المغربية تستبق الزمن، بينما لا تزال الجزائر تبحث عن موطئ قدم في سباق لم تُشارك فيه بجدية منذ البداية.