الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *
في الوقت الذي يسير فيه المغرب بخطى واثقة نحو تعزيز نموذج دولته الحديثة، وتثبيت أسس الملكية الدستورية، وتوسيع هامش الحقوق والحريات، تواصل جماعة العدل والإحسان خوض معركة “الانتظار العدمي”، والرهان على انهيار المؤسسات، بدل الانخراط في البناء الجماعي والمشترك الوطني.
رئيس التحرير
تأسست جماعة العدل و الإحسان على يد عبد السلام ياسين في سبعينيات القرن الماضي، لكنها اختارت منذ البداية نهج الانعزال والصدام، عبر رفضها المبدئي لمؤسسات الدولة، وتمسكها بولاء مطلق لزعيمها الروحي، في ما يشبه نسخة محلية من التنظيمات المغلقة ذات الطابع الثيوقراطي.
هذه الجماعة لم تُخفِ يومًا عداءها العميق لإمارة المؤمنين، وهو ما يتضح من أدبياتها التي تُقلل من شرعية المؤسسة الملكية، وتُحاول تسفيه الإجماع الوطني حولها، بل تسعى إلى بناء بديل وهمي لا أساس له من المشروعية أو الواقعية.
سياسيًا، تُجسد جماعة العدل و الإحسان ما يمكن تسميته بـ”المعارضة السلبية”؛ فهي ترفض المشاركة في الانتخابات، وتُهاجم كل مشروع إصلاحي، وتصف العملية السياسية بأنها “فاسدة” من جذورها، دون تقديم بديل قابل للتنفيذ. أما اجتماعيًا، فخطابها قائم على الفرز الأخلاقي والدعوي بين من “اهتدى” و”من ضل“، ما يُغذي ثقافة الانقسام والتكفير الرمزي للمخالفين.
وبينما تظل مؤسسات المجتمع المدني تخضع للمحاسبة القانونية والمالية، تواصل جماعة العدل والإحسان تحصيل الأموال خارج إطار الشفافية، سواء من خلال الزكاة والصدقات، أو عبر شبكاتها التنظيمية الواسعة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مصادر تمويلها، بل واحتمالات تلقيها دعما من جهات أجنبية، قد تكون من بينها أطراف إقليمية معروفة بدعم حركات الإسلام السياسي المتطرفة.
الخطر الحقيقي يكمن في أن الجماعة، وإن كانت تنشط تحت يافطة سلمية، فإن فكرها في جوهره يُمهّد لعقلية الفتنة والانقضاض، حيث لا تعترف بالشرعية القانونية، بل تنتظر “الفراغ” أو “الانهيار” – كما تقول في أدبياتها – للانقضاض على الدولة، واستبدالها بمشروع غامض قائم على “الخلافة”.
إن المغرب اليوم في حاجة إلى تنظيمات تؤمن بالوطن ومؤسساته، لا جماعات تبني أحلامها على ركام الدولة. والمعركة ليست سياسية فقط، بل ثقافية وفكرية، تقتضي كشف خطاب الجماعة وتفكيك تناقضاتها، ومواجهتها بحزم قانوني، ووعي وطني عميق.
فجماعة العدل والإحسان لا تمثل المعارضة كما تدعي بياناتها المكتوبة و الشفهية ، بل تمثل في إيديولوجياتها مشروعًا بديلًا للدولة نفسها. وهي، في هذا المعنى، ليست مجرد فاعل ديني أو سياسي، بل خطر مؤجل لا بد من التعامل معه بمسؤولية، ويقظة، وإرادة حازمة في الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره.
حين يتحوّل الانتظار إلى مؤامرة مبيّتة
الحقيقة التي لا مناص عنها ، أنه لا يمكن النظر إلى جماعة العدل والإحسان إلا باعتبارها كيانًا أيديولوجيًا متطرفًا في جوهره، يُخفي خلف قناع “السلمية” والتديّن الدعوي مشروعًا متكاملًا لتفكيك الدولة الوطنية المكتسبة ، وإعادة تشكيلها وفق منطق “الخلافة” و”المرشد الأعلى”، لا وفق الإرادة الشعبية أو الشرعية الدستورية. فهذه الجماعة، التي لم تتورع عن مهاجمة إمارة المؤمنين، لا تتردد في تأثيث خطابها بشعارات مموّهة تُخفي نواة صلبة من التمرد السياسي والديني، تعكس رفضًا تامًا للمنظومة الوطنية بمختلف روافدها.
إن موقف جماعة العدل و الإحسان من مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الملكية، ليس مجرد اختلاف في الرأي أو الرؤية، بل هو في جوهره رفض عميق للشرعية، واستهداف مباشر لرمز الوحدة الوطنية، واستبداله بمشروع “البيعة للمرشد” الذي يعكس انزياحًا خطيرًا عن منطق الدولة الحديثة إلى منطق “الزاوية الكبرى” أو التنظيم السري.
هذا التوجه ليس جديدًا ولا وليد اللحظة، بل هو امتداد لخط دعوي مغلّف بطموح سياسي دفين، يعادي كل ما له صلة بالديمقراطية التمثيلية، ويريد القفز على إرادة الأمة عبر خطاب الغيب والقدَر والاستضعاف، وهو ما يجعل الجماعة أقرب إلى تنظيمات ما قبل الدولة، منها إلى حركة سياسية معارضة، ناهيك عن كونها غير قانونية من حيث التنظيم، ومثيرة للريبة من حيث مصادر تمويلها وتحركاتها الإقليمية المشبوهة.
وإذا كانت الجماعة قد اختارت منذ نشأتها تموقعًا خارج النسق الدستوري، فإنها اليوم تُمارس تحريضًا ناعمًا، وتلعب على تناقضات المشهد الاجتماعي، مستغلة معاناة بعض الفئات، لتقديم نفسها كـ”بديل أخلاقي”، بينما هي في الحقيقة كيان مغلق، هرمي، لا يخضع للمحاسبة، ولا يقبل النقد الداخلي، ولا يملك أي مشروع مؤسساتي حقيقي لإدارة دولة أو مجتمع.
ما يجب أن ندركه جيدًا، كمغاربة حريصين على استقرار وطننا، هو أن خطر جماعة العدل والإحسان لا يكمن في مواقفها العلنية فقط، بل في بنيتها التنظيمية المنغلقة، وأيديولوجيتها اللاهوتية، وطموحها السياسي الذي لا يعترف بالمؤسسات، بل يتغذى على فكرة “الانهيار الحتمي”، منتظرًا لحظة الفراغ ليُعلن عن انقلابه الرمزي على الدولة والمجتمع.
إن الجماعة اليوم ليست مجرد تنظيم معارض، بل مشروعا بديلا للدولة، مشروعٌ هجين يخلط بين التديّن والسلطة، بين الطاعة والولاء المطلق، بين الحلم الشخصي للمرشد والرغبة الجماعية في الحكم. ومن هنا، فإن التعامل مع هذا الكيان لا يجب أن يظل محصورًا في دائرة الأمن أو القانون، بل يجب أن يكون في صلب المعركة الفكرية والثقافية، دفاعًا عن المغرب الدولة، المغرب الحداثي، المغرب الذي نؤمن به جميعًا تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فلتكن اليقظة دائمة، ولتكن المواجهة فكرًا وثقافة ومؤسسات، ولتكن الكلمة الأخيرة شعارنا الدائم : “الله الوطن الملك” ، وليس للمرشد أو لجهة معادية لرموز المملكة المغربية الشريفة .