أعمدة الرأي

الديمقراطية الداخلية في الأحزاب المغربية: بين ضرورات الإصلاح ومتطلبات الثقة الشعبية

الجريدة العربية – ذ. عبد الله مشنون

تُمثل الأحزاب السياسية ركيزة أساسية في البناء الديمقراطي، إذ تضطلع بوظيفة التأطير السياسي للمواطنين، وصياغة البرامج القادرة على تحقيق تطلعاتهم. غير أن واقع الأحزاب المغربية يكشف عن اختلالات بنيوية تعيق أداءها التمثيلي وتحد من فاعليتها المجتمعية.
في هذا السياق، نحاول من خلال هذا المقال تحليل مظاهر القصور التي تعاني منها الديمقراطية الداخلية للأحزاب، وإبراز أهمية إصلاح آليات اشتغالها، بما يعيد بناء الثقة المفقودة مع المواطنين، ويؤسس لممارسة سياسية أكثر شفافية ومصداقية.

أولاً: العمل الحزبي بين الانغلاق والحاجة إلى الانفتاح

لا تزال كثير من الأحزاب السياسية المغربية تتعامل مع العمل الحزبي باعتباره شأناً داخلياً محضاً، مقتصراً على دوائر مغلقة من المنتسبين والمقربين. هذا التصور التقليدي يُضعف جسر الثقة بين الأحزاب والمجتمع، ويُفرغ الممارسة السياسية من محتواها التشاركي، الذي يُفترض أن يكون القاعدة الصلبة لكل ديمقراطية حديثة.

إن تجاوز هذه الوضعية يتطلب من الأحزاب أن تدرك أن العمل السياسي لم يعد ملكاً حصرياً للنخب التنظيمية، بل أصبح مجالاً عمومياً مفتوحاً، تُمارس فيه رقابة شعبية على كل خطوة، بدءاً من صياغة القرارات الداخلية وصولاً إلى اختيار القيادات.

ثانياً: ضرورة إصلاح الديمقراطية الداخلية

لا يكفي أن تدعو الأحزاب إلى الانخراط الشعبي، بينما آلياتها الداخلية تقوم على التوافقات المغلقة، وتقسيم المناصب بعيداً عن المنافسة الشفافة.
الإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة النظر في مناهج اختيار القيادة عبر:

  • تنظيم مناظرات علنية ومتلفزة بين المرشحين للمناصب العليا.
  • فتح المجال لوسائل الإعلام والمجتمع المدني لمساءلة المرشحين.
  • بث المؤتمرات والانتخابات الداخلية على قنوات وطنية أو خاصة لضمان الشفافية.

مثل هذه الخطوات لا تضمن فقط نزاهة المسار الانتخابي داخل الأحزاب، بل تساهم كذلك في رفع مستوى الوعي السياسي للمواطنين، وتجعل من الحزب مدرسة فعلية للديمقراطية.

ثالثاً: نحو تجاوز ثقافة الغرف المغلقة

تُظهر التجارب الدولية أن الأحزاب التي تحتكم إلى الشفافية والمساءلة في انتخاباتها الداخلية، تكتسب شرعية أكبر في أعين المواطنين. بل إن العديد من الديمقراطيات المعاصرة باتت تفتح التصويت الداخلي حتى أمام غير الأعضاء لاختيار قادة الأحزاب، انطلاقاً من مبدأ أن الحزب، بوصفه طامحاً لقيادة الدولة، يجب أن يحظى بثقة المجتمع منذ لحظة تشكيل بنيته القيادية.

أما استمرار الأحزاب في إخفاء ترتيباتها التنظيمية عن الرأي العام، فلا يؤدي إلا إلى مزيد من العزوف الشعبي والشك في نواياها ومشاريعها.

رابعاً: التحديات والفرص أمام الأحزاب المغربية

التحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب اليوم تفرض على الأحزاب أن تعيد بناء علاقتها بالمجتمع على أسس جديدة. فجيل اليوم أكثر وعياً ومطالبة بالمحاسبة، وأقل استعداداً لمنح ثقته بناءً على الولاءات أو الشعارات.

وعليه، فإن الأحزاب التي لا تواكب هذا الوعي المتجدد عبر إصلاح داخلي شجاع، ستجد نفسها عاجلاً أو آجلاً خارج معادلة التأثير السياسي.

خاتمة

يتضح من خلال تحليل واقع الأحزاب السياسية المغربية أن الحاجة إلى تجديد الديمقراطية الداخلية لم تعد ترفاً تنظيمياً، بل ضرورة حيوية لاستمرارية الفعل الحزبي ومصداقيته.
فانفتاح الأحزاب على آليات الشفافية والمساءلة، واعتماد ممارسات ديمقراطية حقيقية في انتخاب قياداتها، يشكلان المدخل الأساسي لإعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين، وترسيخ دور الأحزاب كفاعلين أساسيين في المشروع الديمقراطي الوطني.
إن تجاوز مظاهر الانغلاق وإرساء تقاليد الحوار العلني والمنافسة الشريفة بين المرشحين من شأنه أن يعزز حيوية الحياة السياسية المغربية، ويفتح آفاقاً أوسع لبناء ديمقراطية حديثة تستجيب لتطلعات المجتمع وتحديات العصر.


* الأستاذ عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم بإيطاليا ، مدير نشر المنصة الإعلامية “إيطاليا تلغراف” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى