بقلم الأستاذ إدريس زياد
صلاح الدنيا بتحقيق حاجات البشر في الأمن والتعليم والصحة والعدل والمأكل والمشرب والعيش الكريم شرط لصلاح الدين، كيف يمكنك أن تكون متفرغاً للعلم والعمل وأنت تلهث فقط من أجل تحقيق الضرورات؟ المسكن الذي تملكه من الضرورات، التعلم الصحيح من الضرورات، الرزق الكافي من الضرورات، وسيلة تنقّل في هذا الزمان من الضرورات، العدل الذي تأمن فيه على كلمتك، ورزقك، ونفسك من الضرورات…
في أحد النصوص البديعة كغيرها من نصوص الإمام الغزالي الذي لم تجر دراسته بعمق من قبل الأنتلجنسيا العربية إلا بوصفه قاتل الفلسفة ومؤسس أزمة العقل في الإسلام كما كان يحلو للجابري أن يقول…
“نظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات، والأمن هو آخر الآفات، ولعمري من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وليس يأمن الإنسان على روحه وبدنه وماله ومسكنه وقوته في جميع الأحوال بل في بعضها، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقاً بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة؟ فإذن، إن نظام الدنيا، أعني مقادير الحاجة شرط لنظام الدين”.
لذلك هيأ النبي صلى الله عليه أصحابه لتلقي الرسالة وحملها، فأول مابدأ به أن بحث لهم عن موطن آمن في الحبشة ثم المدينة، موطناً آمناً يأمنون فيه على أنفسهم وعلى أرزاقهم حتى تطمئن نفوسهم، فالنفوس الخائفة المذعورة القلقلة المشتتة كيف لك أن تسكب في قرارتها الطمأنينة…
سنظلّ نضلّ الطريق، نبحث عن اللغز في ركام القشور، يهمنا الشكل والتركيب والكومبارس والإضاءة والموسيقى التصويرية وطريقة الإخراج، والمشكلة أضحت في الطبقة المتعلمة والمثقفة التي أصبح وضعهما بين قوسين، أما الجاهل فلا يُقاس عليه، نحن نفتقر فقراً شديداً للهوية الثقافية المجتمعية الحقيقية والتي تعتمد على ثوابت من القيم والمبادئ والتصورات والتي تعتبر كيان المجتمع وأساسه الأول في بنائه، وعلى هذا الكيان أن يتطور ويواكب الحضارة بإطراد مستمر لتتحقق الفوائد للفرد والمجتمع والوطن، ولأن البنية التحية تخلخلت وتزلزلت وضعفت نجد أن كل ما بعدها قد أضحى عقيماً بائساً يائساً لا ينبيء إلا بالمخاطر، وثمة عناصر كثيرة تدخل في تكوين المجتمع، كالإقتصاد والموارد والتعليم والصحة والبنية التحتية والمنظومة القيمية والأخلاقية والمنهاج والمقرر التعليمي والقوانين، كل هذه العناصر تديرها السياسة التي لا ننكر أننا نحن كمجتمع من قام بصياغتها، ووضعها اللص المستبد الذي ننتخبه والذي ينخر أجسادنا كالسرطان.